الفصل الثالث ..
(عندما تتحرك الغابة، سأموت!)
وأول ما
تبشر به ماكبيث عقب عودته من تلك الزيارة المضنية كان ماكداف لورد فايف والذى
انطلق إلى انجلترا ليدرج ضمن جيش مالكولم، ابن دانكان البكر. وقد استقر الرأى
بمالكولم مهاجمة سكوتلاندا وماكبيث، ومن ثمّ، يتحصل على الملك كرة أخرى. وقد نفرت
عروق ماكبيث لدى معرفته بهذا الخبر اليقين وأطبق على حلّة ماكداف، أى قصره،
واستباح حرمه، فذبح زوجته وأبناءه، و أنهى نسل أى أحد يتعلق بماكداف، فلم يحترم
سائر اللوردات فعلته تلك، وأدانوه بها، وتحزبوا إلى حزب معاديه، بعضهم انضم إلى
مالولم وجيشه، والذى احتشدت عنده القوة.
وقد شرع جيش
مالكولم يتحرك صوب اسكتلاندا. هؤلاء من خشوا ماكبيث، ولم يتجسروا على محاربته،
تاقوا إلى فوز جيش الخصم خلسة. الجميع بغض ماكبيث، فأخذ ينفس على دانكان، هذا الذى
يرقد بسلام فى قبره، الآن، لا شىء يمكنه أن يضر بدانكان. أما الزوجة، فإنها كانت
رفيقته البئيسة الوحيدة خلال كل أفعاله المظلمة ولكنها لم تطق الحياة فى ظلال
كراهية الجميع لها ولزوجها، فارتضت بالجحيم الأزلى، وانتحرت!
وهكذا، تخلَّف
ماكبيث بلا ونيس ولا مشاطر ولا حتى مناجى، لا أحد يحبه أو يهتم به، ولا حتى أحد يقدر
على مشاركته الخطط الشيطانية. يأس ماكبيث من الحياة، واستولت عليه موجة عاتية من
التألم، والاكتئاب. فَقَدَ رونق الحياة وتلوثت كل قطعة لمسها بسواد شرير، دفعه إلى
مقت النفس، وتمنى لو خلص من تلك الحياة النجسة المدنسة!
لكن، نبأ زحف قوات مالكولم بعث بفضلٍ من
الثبات القديم إليه من جديد، وراجع نبوءات الأرواح الثلاث فى آذانه: أن ما من
مولود لامرأة يمكنه المساس به ولن تدور عليه دائرةٌ حتى تأتى غابة برنام إلى
دانزينان والتى يتقين من استحالة حدوثها! لذا، فقد احتجز نفسه محصنا بقلعته، وتلبث
لأجل مقدم جيش الخصم. وفى يوم لا يُذْكَرُ له اسما، كان رسول ماكبيث يسعى ملتاث
الأنفاس إليه، شاحبا بهلع، ترتعد أوصاله فبالكاد استطاع حديثا، قال أنه قد نظر شطر
غابة برنام، وظن أنه قد رأى الغابة تطفق تتحرك.
( كاذب .. عبد .. )
هكذا كان صوت
ماكبيث ينطلق شاقا السكون متهدجا متحشرجا، عظم عليه الأمر للغاية:
(إن كنت كاذبا، لَتُعَلَقَنَّ على شجرة حتى تتضور جوعا،
وإن كنت لست بكاذب إذًا، لا أبالى إن كنت أنا من يعلق على الشجرة ويترك للموت!)
الكره والسخط
ملئا قلب ماكبيث فأوغراه، ليس ناحية ماكداف، ولا مالكولم. إنما جهة المشغوذات
والأرواح، لقد خدعوه!
(لقد لجمونى وجعلونى على المحك!)
صرخ داخله:
(أنا لا أستطيع التحليق، لكن أستطيع أن أحارب هذا الأمر
.. ترى من هذا الذى لا تلده امرأة؟! أحد يجب علىّ أن أهابه، أم لا؟! إن كانت
الغابة بحق تتحرك، إذًا، ينبغى أن نأخذ عدتنا، ونخرج للوغى. نحن لن نستدبر، و لن
نبقى هنا .. لقد تعبت، وأتمنى لحياتى النهاية!)
وها قد تجلى جيش
ماكبيث الصغير به على مقدمته، مارقا من القلعة لمقابلة جيش الآخر والذى أضحى قريبا
للغاية من القلعة. وتفصيل حركة الغابة بسيط ويسير جدا. حينما توغل جيش مالكولم فى
غابة برنام، أمر مالكولم -والذى كان قائدا جليلا عليما بالحروب وخدعها- كل جندى
اقتلاع جذع شجرة ويحمله إزاءه حتى لا يقدر أى أحد على رؤية كم هو الجيش ضخما. وتلك
الحركة للجنود بالجذوع، دفعت الرسول لأن يحسب الغابة تتحرك، وبذلك، كانت كلمات
الروح محقة تماما. وقرعت الطبول. فالمعركة الحاسمة قد بدأت، و قوات ماكبيث قليلة
العدد تبلى بلاء حسنا، يقطعون خصومهم إربا، تسمع أصوات سيوفهم البائدة ترن فى
ميدان المعركة رنينا. وبعد فترة تحسب ضئيلة، كان ماكبيث قد بلغ مبلغا به ماكداف
محاربا. ولمّا أبصر به، وردت إليه كلمات الروح الأولى التى حذرته من دائرة ماكداف،
لورد فيف!
(من وسط الجميع، قد تجنبتك .. ارجع، فإن روحى قد شحنت
بدماء لوردات ..)
هكذا، صدح
صوت ماكبيث، وكأنه بتلك السنة، سيصل إلى مقبض الخوف لدى الآخر، فيمسك به. لكن
الآخر، تبلغ تلك الكلمات تبلغا، وحسم أمره، ليهدر بأنفة:
(لا أملك كلمات ، فصوتى فى حسامى -سيفى- .. )
ومن ثمّ، تراكض
كى يشن أولى الضربات لماكبيث، والذى كان يهزأ به صائحا:
(محاولة النيل منى كمحاولة النيل من الهواء .. إنك لن
تقدر على ذلك .. فأنا أحمل حياة سعيدة، والتى لا يجب أن تُغَلَ عن طريق أى أحد
مولود لامرأة!)
(لا تثق بهذا السحر ..)
بذلك، أثبط
هذا اللورد الشريف معنويات ماكبيث إثباطا، وهو يكمل فيما سيفه يهاجم بعنف، ويخترق
حصون ماكبيث اختراقا:
(لم أولد لامرأة .. ليس بالطريقة الاعتيادية حيث يولد
الرجال، لقد أخذت من أمى قبل الوقت المضبوط!)
هنا، فقد نكثت القوة بوعدها مع ماكبيث، لتتسرب
منه تسرب المياة من بين الأصابع المنفرجة. و فى خلال ثوان، كان ماكداف يفلح حقا فى
إثخان ماكبيث بجرح غائر وماكبيث يقول بحكمة متأخرة متعقد الجبين:
(لا تصدق الأوراح يوما .. إنهم يخدعوننا بكلمات ذات
معنيين، أنا لن اتقاتل معك ماكداف!)
(إذًا، لتعش .. ونحن لنعرضك كما يعرض الرجال الحيوانات
الضارية، بإشارة تقول " الشرير ماكبيث " ..)
ليصرخ ماكبيث
وشريط حياته يمر من خلال مخيلته، يريه افضح الأفعال، وأشنع الأفكار، وأنكر
الذكريات:
(أبدا .. رغم أنك لست مولودا لامرأة .. وغابة برنام
تحركت إلى دانسينان، سأقوم بآخر محاولة!)
وهكذا ألقى ماكبيث
بجسده المجروح على ماكداف، وبعد مقاتلة شديدة البأس، كان ماكداف ينتصر على ماكبيث.
وجز عنق ماكبيث بشراهة، أهداها إلى مالكولم الذى بات حاكما سكونلاندا، وأسعد هذا
النبأ كل الشخصيات المرموقة، والشعب أجمع!
النهاية ..
بدأت فى الثالث من يوليو 2013، وانتهت فى السابع من
يوليو 2013