Chapter One
The Three prophecies
"الفصل الأول"
النبوءات
الثلاث ..
فى الوقت الذى به كان دانكان ملكا
لاسكوتلاندا، عاش لورد عظيم يدعى "ماكبيث". كان ماكبيث من نفس السلالة
التابعة للملك، ذائع الصيت بشجاعته المقطوعة النظير بالوغى –أى الحرب-، وقد
كان لتوه قد ظفر فى معركة ضد جيش من نورواى. وبينما كان اللواءان
"ماكبيث" و"بانكو" عائدين منتصرين من تلك الحرب، سافرا خلال
مكانٍ موحشٍ، فأبصرا بثلاث كائنات عجيبة الشكل، شُبِّهَ لهما أنهن إناث، لكن الواقع
أنَّ أولئك النسوة، نبتت لهن لحى. وقد كُنَّ ذوات جلد جاف، وارتدين ملابس غريبة.
الحق أنهن لم يناظرن أى كائن على الأرض بتاتا. حادثهن ماكبيثُ، لكن ذاك دعاهن إلى
السخط. فوضعن سباباتهن إزاء شفاههن الرفيعة لكأنهن يخبرنه أن يتحرى الصمتَ المطبق.
ومن ثمّ، تقدمت واحدة تلو الأخرى، ليرحبن به:
(الجميع يشير إلى ماكبيث، يشيرون إليك،
لورد جلاميس!)
استرعت
الكلمات ذهن ماكبيث إلى إدراكهن اسمه، واشتد به الذهل حينما جاءته الكائنة الثانية
تهتف:
(الجميع يشير إلى ماكبيث، الجميع يشير
إليك، لورد كودور!)
لم يكن ماكبيث
بلورد كودور تلك. فيما، جرجرت الثالثة أقدامها جرا لتجابهه معقبة:
(الكل يشير إلى ماكبيث، والذى ليصير
ملكا من هنا أبدا ..)
استشاط ماكبيث عجبا ودهشة، بتلك
الكلمات المريبة، التى تخترق الغيب فوق السحب العالية، فإذ به يتوسل توسلا لهذه
الكائنات:
(إن كنتن تطلعن على حبات الوقت، وتقلن
أى الحبات ستنمو وأيها لن تفعل، إذًا، تحدثن إلىّ!)
لقد فقه
إلى استحالة كونه ملكا طالما الملك دانكان موجودا على قيد الحياة. توجهت الكائنات
إلى بانكو، و تباعا كنّ يشهرن الكلمات اتجاهه، فإذ بالأولى تدلى بأول نبوءة:
(لتكونن أقل شأنا من ماكبيث، لكن
الأعظم قدرا ..)
فالثانية،
تجهمت، ترهبت له، وهى تعترف:
(لن تكون سعيدا جمّا، لكنك تظل الأسعد
..)
وإذ
بالثالثة، بهذه النظرة الثاقبة والصوت الخفيض الخارج عن المألوف، وأياد ترتجف من
هول المصاب:
(أبناءك ليصبحنَّ ملوكا بيد أنك لن
تصبح ملكا!)
قفز الغضب إلى
عيون ماكبيث، فتنفر العروق وتتسارع دقات القلب بجنون، وخاطب أولئك المهووسات:
(ابقين أيتها المتحدثات الخرقاوات،
أفصحن عن المزيد!)
لكنهن لم
يستجبن لهذا الطلب مستهجنات من طاقة هذا المحارب الصلدة، رغم أنه لا يجاريهن علما
ومعرفة، وفى غمضة عين، كنّ سرابا يشيعهن ماكبيث وصديقه بأعين مشدوهة، وتيقنا فى
تلك الفينة من هويتهن: أنهن ساحرات شمطاوات. انتصب كلاهما فترة، يتذاكران تلكما
الكلمات الناضحة بالغرابة التى ألقيت عليهما. ولِغَرْوِهِمَا الذى استحوذ عليهما،
كان بضعة رجال قادمين باسم الملك المبجل، يطلعون ماكبيث بالخبر الصاعق، أن الملك
قد أرقاه إلى لورد كوارد!
(ماذا؟ أيمكن بحق الشيطان أن يكون هذا هو
الحق؟!) صرخ بانكو ..
لكن
عقدت الفرحة لسان ماكبيث، فلم يتوصل إلى إجابة، بل تصلب جسده لبرهة، و أفكار تنحاز
بلا إرادة إلى محتوى النبوءة الثانية الخاصة به، إنه ليصبح ملكا إذًا. لو أن نبوءة
قد تحققت بحذافيرها، فلماذا لا تكون الثانية بدورها فى نفس السياق؟ شرعت الأفكار
السوداوية تخطو إلى عقله فتشينه. صارع طويلا كى يطرد تلك الخواطر الشيطانية عن
غزوه، وإن لم يفلح، ورد على أعقابه خائبا، واستطارت به هذه البلابل محتلة جأشه حد
الصميم. عنى بهز رأسه بقوة، علّ البلابل ترتج، وتتلاشى، فأخفق، فاختلى بها فى نفسه:
(لو أن الحظ ليتوجنى ملكا، فلماذا لا
يتوجنى بلا ضجة؟!)
وفى
أعماق هذا القلب المتقن الصنع فى هذا الصدر العريض الواسع، كانت الأمنيات تخط
بنفسها على جداره أن يمسى ملك سكوتلاندا، كما باحت النبوءة الثالثة. تحول ماكبيث
إلى صديقه بانكوك :
(ألا ترجو أن يكون أبناءك ملوك
سكوتلاندا؟ الآن، ما أفضت الساحرات إلىّ أنه سيحدث، فقد تم بالفعل!!)
(أحيانا تقر الساحرات بأشياء لدفعنا
لعمل الشر!)
هكذا
أجابه بانكوك بحكمة طاهرة، تسطو على قلبه نقى السريرة. لم يكن ماكبيث ليصغى لمثل
هذا التحذير الأخوى الصديق، وإنما صوَّغه فى عقله انه مجرد الترهات بعينها،
ونازعته الوساوس لأن ينساه، قد تغلغلت به كلمات الساحرات، بتنمق، ولم يجتثها بأى
وسيلة من الوسائل. ومنذ ذاك الحين، وإنما يراوده فحسب خيال ذلك اليوم حين يختال
مسترخيا على أريكة الملك، ويَدعِى له فى جميع أنحاء البلاد باسم الملك .. الملك
ماكبيث.
كان لماكبيث
زوجة. تلك الزوجة التى ذكر لها كل ما جرى له من مقابلة الساحرات وأقاويلهن، كذلك
عن الأشياء التى أصبن فى تكهنها، والتى دارت له حقا على أرض الواقع. وكانت تلك
الزوجة دوما ما ترغب فى إصباحها هى وزوجها من العظماء، لكنها لم تبالِ يوما
بالسبيل المسلوك للعظمة. دست كلماتها إلى آذان ماكبيث أنه لن يتقعد على أريكة
السلطنة ما لم يمت الملك. ولأن ماكبيث كان مفطنا إلى مغزاها، فكان يتعنت، يرفض،
ويعرض عن هذا القرار المبطن الذى تلح به عليه!
وفى إحدى
الأيام، قدم الملك فى وفادة ماكبيث، وبرفقته ابنيه "مالكولم" و"دونالبان"
مع عدد غفير من الخفر. كان هذا القصر العتيق، مبنىّ فى موقع مريح جميل، مشرف على
مناظر آسرة للألباب. وفى هذا مدعاة لغبطة الملك، والذى ضم الدعة إلى كنفه فيه.
وكان الأحرى بسعادته، هى تلك المعاملة القيّمة التى كانت اللايدى ماكبيث تتفنن فى
تقديمها له. قد امتلكت اللايدى ماكبيث القناع المرصع بالجواهر والمحلى بما لذ و
طاب من رقة وعنفوان، تأرن وتبتسم، تحب، وتحزن فيما وراء القناع كمنت الحقيقة
الشنعاء: تلك الحقيقة التى تهفو بها إلى توسل كل الدروب لأجل الإجهاز على الملك.
امتلكت تورد الوردة لتخفى سم الأفعى. وتحلت بتعنت العفيفة، لتكتم شهوة الفاسقة.
هكذا كانت اللايدى ماكبيث.
خلد الملك
دانكان إلى مخدعه مبكرا فى تلك الليلة نظرا للإعياء الذى شمله من طول الرحلة، مع
خادمين، يستلقون فى نفس الحجرة أمنا وسلاما. وقبل ذهابه، كان قد أهدى اللايدى
ماكبيث هدية من الماس. وانتصف الليل، كانت الدنيا تتوارى بعباءة ساترة من السواد،
فيما سقط القناع المخبىّ، ومعه استفاقت اللايدى ماكبيث. هذا لو كانت بالفعل أدت
دور النائمة حد الانغماس. وبشمعدان به ثلاث شمعات ضخمة، كانت تنفرد بنفسها، وتكتب
على صفحة هذا العقل المدمر بريشة الشيطان خطة لا تغتفر لنقل الملك إلى الرفيق
الأعلى.
ولم تكن
تلك السيدة المتأنقة، ذات الأظافر المنمقة، والسحنة الرقيقة لتعقد اتفاقا مع
الشيطان إن لم تكن تعرف بسجية زوجها. فقد كان ماكبيث، شديد الطيبة والإشفاق، ولا
يطاوعه قلب كى ينفذ تلك المخططات الخرقاء. أدركت شغفه وطموحه كى يستولى على عرش
السلطان، لكنه بذات الوقت، كان جد أمين لأن يقصى تفكير القتل عن باله كى يصل إلى
تلك الطموح. لذا، أمسكت ببلطة، وبخطى حثيثة، كانت تدلف إلى حجرة الملك. ولم يفتها
أمر الخفر، فكانت قد أسرفت فى إمدادهم النبيذ المسكر، كى تلطش أذهانهم، فلا يديروا
شؤون الحماية بالشكل المطلوب.
نعم الملك بسبات عميق، عندما تفرست به
اللايدى، فأحدقت بلمحة ما، ذكرتها بوالدها. وعلى إثر ذلك، أخفقت فى شرها متقهقرة.
بارحت الحجرة، وعرَّجت على غرفتها هى لتعثر على زوجها والذى كان يقنع بانعدام
الأسباب كى يطبق على الملك.
(إنه هنا، يثق بى ثقة مضاعفة .. أنا
رجله الطيب، وكل اهتمامه حاليا، والاثنان سببان ضد هذه الغاية الحمقاء. وأنا كمضيف
له، فلا بد أن يصفق الباب فى وجه القتلة، وليس أن يحمل السكين بنفسه!)
وبهذا التفكير
الصائب، كان ماكبيث، يسترجع رشده عازما على ألا ينطلق بعيدا فى تفكيره بشأن قتل
الملك. لكن اللايدى كان لها منالا جيدا من القوة، ولم تغير رأيها بسهولة. حضرت
بحثا عنه، بنظرات مفترسة ضارية ووجه ممتقع، وجبين يندى عرقا. حاول ماكبيث تجنب تلك
النظرات الثاقبة، ليسائلها بنزق:
(لماذا غادرتى حجرتنا؟ إننا لن ننجز
شيئا آخر فى هذا العمل!)
التفتت بعدما
كانت توليه ظهرها، وعيونها تنطق شررا لأجل هذا الجبن والاحجام اللذين ألمّا ببعلها:
(أنا أجرؤ على فعل كل ما يفعله الرجل،
والذى يستطيع أن يقوم بأكثر منى، لم يخلق حتى الآن!)
ومن ثمّ،
تنهدت على تلك الحدة الصافقة التى خاطبت بها زوجها العزيز، فانحنت عليه تحت أحداقه
الجامدة. ولثمت يده بأسف، قبلما تشرع فى حوار آخر، تظهر له به جوانب كثيرة وأسباب
أكثر تفسيرا لأهمية استمرارهما فى تلك الخطة. صورت له كيف أن الأمر بسيط، وقريبا
لينتهى زمن القتل تماما، وبذلك أنهما سينالان منصب الملك والملكة لبقية حياتهما.
ولِتربِى فى طمأنته، كانت تخبره بيسر الإيقاع بالخفر السكرى على أنهم القتلة
المنادى بهم للعدالة.
وأمام خوار
عزيمته، كانت تطعنه بهذا الفتور الذى به، والضعف الذى لا يجعله حقيقا ليكون لوردا
ولواء فى الجيش. وفى النهاية، كانت تصفق لنفسها سرا على النجاح الذى حققته بتغيير
دفة رأيه، من اليمين إلى اليسار، من الأبيض إلى الأسود، وتلطيخ هذا النقاء
بالدماء، وأعطته الحافز الأخير لأجل تنفيذ تلك الجريمة .. بنفسه!
No comments:
Post a Comment