جئت اليوم للتعليق على فيلم الرائع "هايو
ميازاكى" الشهير "قلعة هاول المتحركة" 2004 وهو فى واقع الأمر
تحديث للرواية الإنجليزية حاملة الاسم ذاته لديانا واين جونز.إن
ما جذبنى إلى هذا الفيلم بالذات هو أولا ألاعيب القدر وتدابيره لأن تمَّ إرجاء
العمل إلى ما بعد الغزو الأمريكى للعراق الذي ادَّعَتْ الولايات المتحدة أنُّه
للتنقيب عن مستقبل ديمقراطي جديد فى منطقة الشرق الأوسط؛ بينما هو _فى حقيقة
الأمر_ احتكاراً منها هي وأتباعها المسوخ لهواء العالم وسمائه وأراضيه.
ولعل الفيلم الأنيمشن
قد وُفِقَ إلى غايته فى تبغيض صورة الحرب فى أعين مشاهديه؛ وذلك من خلال عرض مناظر المدينة المسالمة ولم يكن
مسها السوء قُبُلا، ومنظرها أما وقد اقتحمتها الحرب بطبولها. يبدأُ الفيلمُ
باستعراض احتفاليات ما قبل الحرب حيثُ الألوان المبهرجة والشرائط المتناثرة
الملفوفة والأحاديث الشيقة عن المجد المنتظر والشرف القادم. ثمَّ لم تلبث القنابل
والموت أن يحولا هذا المشهد بعدَ فترةٍ إلى صوانٍ هائلٍ حيث الدمار المستتب
والضياع الشامل؛ والتمنِّي الجامع بأن تضع الحرب أوزارها.
من ناحية أخرى، تمَّ
الزجَّ بالبطل، الساحر هاول، والذي كانَ معروفاً بوسامته وقدرته على أسر قلب كل
امرأة توقع أبصارها عليه، فى ويلات الحرب وأهوالها. ومن هنا، أُجبِرَ هذا الحرُّ
الطليق الذي كانَ عصفوراً مغرداً على تحويل نفسه إلى وحشٍ _فعلي_ يستنزفه حتى
الموت؛ ترضيةً لصراعات الملك السياسية وأعدائه التي لا دخل له _هو هاول_ ولا للشعب
بها. إن الحرب لهى أمر سلطة وهيلمان
وجبروت لا طاقة لنا _نحن الشعوب_ بها. على ذلك، فلابد من خوضها والمضاربة فيها بكل
أسهمنا حتى الرمق الأخير!
فى نهايات الفيلم، أخبر الجن النارى _"كاسبر"_ الساحر
"هاول": أنه يتحول ويتأذى فى سبيل ذلك، وقريبا لن يكون بمقدوره الرجوع
إلى هيئته الوسيمة الجميلة وقلبه النقي الطيب، وسيبقى وحشاً مسخاً". لحظة
واحدة، وتفكر بسيط: أليس ذلك ما تطمسه فينا المعارك والحروب حقا! هل يمكن لوهلة واحدة الجزم بأنَّ الشخص الذي
يمسك السلاح ويقتل أينما يشاء _باسم الحرب_ سوف يعودُ إلى فطرته السليمة الرحيمة
بعدَ أن تحطَّ الحرب نهايتها؟ مستحيل! هناك رواسب نفسية سوف تعلق؛ والله أعلم
إلامَ تؤول هذه الرواسب فيما بعد.
هذه كانت رسالة المخرج اليابانى إلى الولايات المتحدة الأمريكية. عبَّرَ عنها من خلال هذا الفيلم الذى كان على روعته وأناقته، غير محبوب فى القارة الأمريكية ..