Sunday, March 12, 2023

وللقدر رأي آخر

 



النوفيلا: وللقدر رأي آخر،

الكاتبة: أسماء أحمد،

صادرة عن الدار المصرية السودانية، عام 2023،

عدد الصفحات: 77.

كُنتُ أبحثُ عن كتابٍ قصير أقرؤه فى وقتٍ سريع حتَى أستعيد شغف القراءة من جديد، فوقعت يداي على هذه النوفيلا. فى الواقع هي نوفيلا غريبة نوعًا ما،

أحبُّ الكتابات حولَ القرية المصرية الريفية، التي تناقشُ هذه العلاقات المتقاربة والمشكلات الاجتماعية المتنوعة.

النوفيلا ببساطة عن القدر وألاعيبه وضرورة الرضا به وإلا فإنَّ العواقب تكونُ مؤلمة.

ما جذبَ انتباهي هي آثار الابتلاءات على بعض الشخصيات بحيثُ زلزلتهم وأخرجَتْ أسوأ ما فيهم. شخصية علياء على وجه الخصوص أثارَتْ رعبي، وكيف حوَّلَها حرمانها من الإنجاب إلى هذه الشخصية القاسية لدرجة أن تتقبل ظلم امرأة أخرى بل وموت ابن هذه المرأة.

أيضًا شخصية صفية لم تنل إعجابي بالدرجة الكبيرة، وذلك لأنِّي أعتقدُ أنَّ ما فعلته عقب وفاة ابنها محمود كانَ فيه ما يشبه الاعتراض بقضاء الله عز وجل. لا يمكن للإنسان كلما توفَّى له عزيز أن يوقف السعادة ويحرِّمها على من حوله. يُعرف فى القرية المصرية مركزية دور الأم فى العائلة لدرجة تتغلب على دور الأب. إلا أني رأيتُ فى صفية شخصية بها شىء من الاستبدادية فى تعاملها مع زوجتيَّ ولديها، وزادَ الأمر بعدَ وفاة ابنها الأكبر.

أيضًا شخصية "هناء" –زوجة مصطفى- بدَتْ أيضًا مخيفة بالنسبة إليَّ، إنها قادرة على إحالة حياة أرملة مسكينة إلى جحيم لمجرد خوفها من أنْ تستولي على زوجها!

نوفيلا هادئة، ناقشَتْ عدة مسائل مشهورة فى القرية المصرية: مركزية دور الأم فى العائلة، أزمة عدم إنجاب المرأة، ترمُّل المرأة الشابة والتحديات التي تواجهها. كانَتْ النوفيلا قادرة على امتصاص الطاقة السلبية من عقل المرء، تذكِّرُ القارىء بأنَّ الحياة ما هي إلا سلسلة من تدابير قدرية ينبغي الرضا بها لينعم الإنسان بالراحة والاستقرار.

لغة النوفيلا جيدة جدًا، وإنْ كانَ التداخل بينَ الشخصيات فى بعض الأحيان لم يكن مستساغًا، كمَا أنِّي لا أفضِّلُ تصوير بعض الشخصيات –من قِبَل الراوي- أنَّها كالملاك الطاهر لأن ببساطة لا إنسان يتمتع بصفات الملاك.

تعددَتْ شخصيات النوفيلا بشكل كبير، فهناك هدَى وابناها: على وعمر؛ وهناك صفية وزوجها وأبنائها الأربع (مصطفى ومحمود ومحسن وياسمين) وزوجاتهم (هناء ونجلاء) وابن عمهم وزوجتاه (علاء وعلياء وفادية)، وغيرهم. واستغربتُ أنَّ الكاتبة استطاعت تربيط الخيوط جيدًا بينهم جميعًا ولو أنَّ كانَتْ هناك زلة بسيطة فى التحولات الزمنية لم تؤثر على فهمي للأحداث.

فى النهاية، أعجبتني رغمَ أنَّ بها من الحزن الواقعي الكثير... وأراحَتْ ذهني وهذا كانَ المرغوب فيه....

محبتي!


Saturday, March 4, 2023

متاهة الحياة المنسية

 






متاهة الحياة المنسية



مراجعة لرواية متاهة حياة

لمروة سالم

،


فى البدء، ينبغي أنْ أهنىء مروة على اتخاذها قرار النشر الورقي وهذه الرواية تنمُّ عن صلاح هذا القرار. كمَا ينبغي أنْ أهنئها على أنَّ روايتها تصدَّرَتْ قائمة الأعلى مبيعًا فى دار شهرزاد للنشر والتوزيع وأنَا أشهدُ أنِّي حينما حضرت لاقتنائها، فقد حظيتُ بآخر نسختين موجودتين فى الجناح آنذاك. 

يتوجب عليَّ إذن أنْ أؤكد أنَّ المراجعة بها حرق للأحداث، 

لهذا أرجو لمن لم يتسنَّ له قراءتها أن يرجىء قراءة هذه المراجعة ريثما يتمم قراءتها ليستلذَّ مذاق المراجعة.

الطب النفسي العكسي، هذا هو مفتاح هذه الرواية.

أصل مهنة الطب النفسي هو السعي من أجل تخليص المُخ والنفسية من أمراضه؛ لكن ماذا لو أنَّ هدف الطبيب صارَ غرس الداء بحدِّ ذاتِهِ؟ 

أعتقدُ هُنا نقف أمام "متاهة حياة" حقيقية.

رواية أراهَا تمّيَّزَتْ أولا بالأسلوب اللغوي اللائق بالهذيان الذي تحتمله أسطرها؛ حيثُ عمدَتْ الكاتبة على سرد الأحداث بصيغة الراوي وذلك بعدَ مقدمة لكل فصلٍ (أو مسار) تتحلَّى بحكمةٍ أو خاطرة عامة تدور فى فُلكِ الأحداث. غير ذلك، كانَتْ فكرة مبتكرة تسمية الفصول بالمسارات، والابتداء بالمسار الثاني بينما تأجَّلَ المسار الأول حتَى ما قبل النهاية. لقد أعطَتْ مروة مفهوم "الفلاش باك" معنَى آخر حقًا. 

تميَّزَتْ أيضًا الرواية بالتشتت الشديد والتضارب فى الحكايات والأقاصيص وهو ما يليق تمامًا بالأزمة النفسية التي أسقطَ "غازي منتصر" زوجته فيها. كُنتُ أتساءل بينَ الحين والآخر عمَّنْ يقول الصدق، أهي مريضة بالفصام أم باضطراب تعدد الهوية أم أنها تصطنع حالة مرضية لحماية عقلها من الجنون؟ وحتَى النهاية لم يكن من السهل فهم ما الذي جرَى لها تحديدًا، وإن كانَ يستطيع القارىء أن يجزمَ أنَّها تعاني من هذه الأمور جميعها مجتمعة. 

تساءلتُ للحظةٍ عن الفارق بينَ المرض النفسي وبينَ الإجرام. فإذا رأينَا انَّ غازي منتصر مريض نفسي يقاسي من قضية "الخلع" التي شنتها ضدَّه امرأته الأولى، فأعتقدُ أنُّهُ لا ينبغي معاقبته فى النهاية أو على الأقل أنْ يُودع فى مشفى نفسي. لكني فى النهاية حسمتُ الأمر أنُّهُ مجرم سمحَ لذاتِهِ أنْ ينتهك حرمة عقول مرضاه؛ لا بل أن يمارس تجربة نفسية غاية فى الخطورة وهي خلق المرض النفسي فى ذهن امرأته السويَّة. 

كانَتْ خطواته مدروسة ولم يكن صعبًا على الإطلاق فهم أسباب قدرته الدقيقة بالنظر إلى الثقة المعتدَّة التي كانَ يتوسلها أثناء حديثه فى البرنامج التلفزيوني. لقد كانَ بارعًا بحق ولولا أنَّ دنيا كانَتْ تعرف كينونته وعلام تنطوي قشرته الرائعة، فظنّه كل رائيه أنُّهُ آية فى الإعجاز العلمي. لقد أبعدها عمَّنْ يمكنُ أنْ يشكِّلَ طوق نجاة بالنسبة إليها وأولهم أبوها. رُبما ظننتُ مثلها أنَّ أباها يمكن أن يتخلَّى عنها بسبب العبارة التي تفوَّهَ بها فى البداية انها من اختار وعليها احتمال عواقب الاختيار، لهذا حزنتُ أنُّهُ لم يكن من هذا النمط من الآباء القاسين وإنما غازي شوَّهَ صورته فى أعين ابنته بمخططه الشيطاني. 

أعتقدُ أنَّ كل اسم من أسماء الأبطال كانَ له مدلوله سواء (غازي) الذي كانَ يراها دومًا غنيمته؛ أو (دنيا/حياة) التي هي بالفعل مثل الدنيا والحياة بتقلباتها بينَ السعادة والشقاء، أو (طارق) الذي ظهرَ فى حياتها على نحوٍ أشبه بالنجم الطارق الذي أضاءَ سماءها المظلمة، أو (أمل) التي كانَتْ بالفعل منذ بدء حملها وهي أملٌ لأمِّها أنَّها ستنجو بها من هذا الهلاك المُحتم. 

رواية مُرعبة فى استعراض كيفية قلب مخ سوي عاطفى طيب القلب إلى مريض نفسي ضائع هاذِ بلا أي أمل فى النجاة. أجل، فى لحظة بائسة ظننتُ أنَّها لن تُنقذ من بينَ براثنه خصوصا حينما عثر عليها الغازي البربري. ولهذا سُعدت بالفصل النهائي (بصيص أمل) والذي أشكرك عليه جدًا لأنَّ فى الواقع هذا البصيص ليس موجودًا بهذه المثالية وكان يمكن أنْ يُقبض على هذا المتوحش بعدَ أنْ يكون قد ضيَّعها تمامًا بحيث تصير مجرد مجنونة مشعثة الهيئة بلا أهلية لرعاية طفلتها. 

رُبما لم أستسغ أنَّ فى بعض الأجزاء كانَتْ مروة تتبع أسلوب "المباشرة" مثلما فعلت وهي تقصص من وقتٍ لآخر الأفعال التي قامَ بها غازي منتصر فى خضمِ تجربته، فكنتُ أعتقد أنَّها لو ظهرَتْ فى وسط حديث لدُنيا مثلا كانَتْ ستكون أوقع فى الكتابة. غير ذلك، فالرواية بحق رائعة؛ إنَّها ليست فقط عن العنف الزوجي، وإنما هي أقرب لإشكالية الأخلاق والعلم. هناك بعض العلماء يرونَ أنَّ فى سبيل العلم، فكل شىء مُباح حتى لو كانَ إخضاع البشر إلى أعتَى التجارب. المُشكلة أنَّ فى حالتنا هذه، فغازي دمجَ بين تحيزاته الشخصية ورغبته الانتقامية من زوجته الأولى وبينَ تجربته المؤلمة فى حقِّ دُنيا. 

أخيرًا، فرحتُ بظهور (غوث عبد الحي) وهو بطل قصة (هواجس غسق)، والذي كانَ بالفعل غوث لدنيا وانتشلها من الظلام المُحكم الذي كانَ يلفُّها. 

أشكرك عزيزتي على هذه الوجبة اللذيذة رغمَ رعبها والتي التهمتها فى أقل وقتٍ ممكنٍ. أعتذر عن تأخري فى كتابة المراجعة ولكني كُنتُ مرهقة بعض الشىء الفترة السابقة. 

أحبك وأشكر القدر الذي جعلَ دربينا يلتقيان عزيزتي، ولكم أرجو لكِ المزيد من التألق فى سماء الأدب. لا تتوقفى عن الكتابة والنشر قط.

عانق أحلامى الورقية

 




عانق أحلامي الورقية


مراجعة لرواية (عناق برائحة الورق)

لمنى سلامة


فى الواقع، لن أقومَ بذكر كل ما أشتهي ذكره من مآثر الرواية لأني أفكر فى أنْ أكتبَ مقالًا مفصلًا عنها،

لكن إلى أن يحدثَ ذلك، فأحبُّ أنْ أبدِي إعجابي الشديد بهذه الرواية الغريبة. أعلمُ أنَّ عالم الفانتازيا ينبغي أن يكونَ عجيبًا غريبًا، وهذه الرواية ضربَتْ المثال فى ذلك رغم أني علمتُ فى النهاية أنَّها ليست غرائبية وأنَّ كل شىءٍ مفسر.

فى البدء أريدُ أنْ أحيي الكاتبة د/منى سلامة على ما أبدته من عجائب اللغة العربية؛ فاستطاعَتْ استبدال جميع الكلمات ذات حرف الحاء إلى كلماتٍ مجردة منه فى فصول "سرد الراوي العليم". لقد تعلَّمتُ أنَّ اللغة العربية ثرية، بل إنَّها مليارديرة من حيثُ أحرفها وألفاظها، والرواية خير دليل.

"الحقيقة"، حول هذا المفهوم العسير تدور رواية "عناق برائحة الورق"، الحقيقة التي تختفى على مر العصور، إذ يطمسها البعض لمنفعة أو خشية. السؤال هو إلى أي مدَى يمكنُ للإنسان أنْ يتملصَ من حقيقته مخافة مواجهتها. فى الرواية خشَى البشر مواجهة الحقيقة المُرَّة أنُّهم خُطاة أشرار بطبيعتهم قاموا بالحرب لأسباب كانَ يمكن احتواؤها بسهولة، وبدلًا من ذلك أحالوا الذنب كله على حرف مسكين وهو حرف الحاء لاحتواء كلماتٍ عدوانية عليه مثل "حرب"، "سلاح"، "تحزُّب"، "احتراق"،... ونسوُا أنَّ هذه الكلمات ليس لها سلطان ما لم يستخدمها المرء على النحو الذي يشاؤوه. 

أيمكنُ لشخصٍ بائس يكتب فى الظل ويبيع مؤلفاته فى جُبنٍ وبلادة أنْ يصيرَ بطلًا؟ أجل يُمكن، فى هذه الرواية وقعَ ذلك الأمر مع "صَهيل"... أيمكنُ للكاتب أنْ ينهي روايته بدون أنْ يفسرَ كل ما يجيىء فيها؟ أجل يمكن، فى هذه الرواية وقعَ الأمر مع ذراع صهيل اليسرى التي ظننا جميعنا أنَّ وراءها آلاف الألغاز لنكتشفَ أنَّ الأمر أبسط من ذلك بكثيـــــــــــــر لدرجة السخرية.

الحق أنَّ الرواية لم تكن عناقًا واحدة، بل آلاف العناقات، عناق المرء للحقيقة لدرجة الاحتراق الذاتي، وعناق "ري" و"كي" أمام شجرة الدردار قبل الولوج لمصنع الكلمات، وعناق والدة "صهيل" له وهي التي بلا ذراعين، وعناق والدة مُؤيد له الدائم، وعناق الورق للكلمات بينَ صهيل وقارئته الأولى، وعناق حياة صهيل لحكاية "مصنع الكلمات"، وعناق رواية الفتاة لحكاية "صهيل"، وعناق رواية السيد كاف لرواية مصنع الكلمات وحكاية صهيل وحكاية كاتبة صهيل، وأخيرًا عناق رواية "مُنَى سلامة" نفسها لجميع هذه الحكايات فى روايتها (عناق برائحة الورق). 

ألم تفهموا شيئًا؟ حسنًا، هذا لأنَّ الرواية ينبغي أن تُقرَأ كي تتعرفوا على هذه العناقات جميعها...!

أيمكنُ للإنسان أنْ يحترق بشعلة اكتشاف الحقيقة المُرَّة؟ أجل، وهذا ما تمَّ بالفعل فى الرواية، فلم تكن حوادث الاحتراق الذاتي سُوَى أثر مترتب على اكتشاف الحقيقة المُرة والتي لم يتحملها أصحابها فاحترقوا بها. 

نهر الجنون، من المجنون ومن العاقل؟ سؤال يطرح ذاته، أيمكنُ للجنون أنْ يكونَ عقلًا لمجرد أنَّ الكثيرين يتبعونه؟ أيمكن للعقل أنْ يكونَ جنونًا لمجرد أنَّ واحدًا فى الملايين يتبعه؟ سؤال غاية فى الأهمية، والإجابة رغمَ سهولتها –وهي أنَّ العقل سيظل عقلا دائمًا والجنون سيبقى جنونًا أبد الدهر- لكن تطبيقها فى الحياة الواقعية غاية فى الصعوبة. ومن هُنَا يقع اختبار البشرية، فى أنَّ بعض الأمور الصحيحة لا يتبعها الأكثرون حتَى يتشكك القليلون المتبعون لها ويفضلون الجنون –أي تتبع خطوات الخطأ- لمجرد ألا يُهجروا على الطريق الصحيح وحدهم...!

رواية غريبة كمَا ذكرتُ، ولم أتمكن من ذكر كل ما أشاء، لكن فى النهاية، الرواية ممتازة، ممتعة، بها معلوماتٍ ومفاجآت، إنَّها الواقعية فى إطار فانتازي... أرشحها للقراءة!

محبتي....!