عانق أحلامي الورقية
مراجعة لرواية (عناق برائحة الورق)
لمنى سلامة
فى الواقع، لن أقومَ بذكر كل ما أشتهي ذكره من مآثر الرواية لأني أفكر فى أنْ أكتبَ مقالًا مفصلًا عنها،
لكن إلى أن يحدثَ ذلك، فأحبُّ أنْ أبدِي إعجابي الشديد بهذه الرواية الغريبة. أعلمُ أنَّ عالم الفانتازيا ينبغي أن يكونَ عجيبًا غريبًا، وهذه الرواية ضربَتْ المثال فى ذلك رغم أني علمتُ فى النهاية أنَّها ليست غرائبية وأنَّ كل شىءٍ مفسر.
فى البدء أريدُ أنْ أحيي الكاتبة د/منى سلامة على ما أبدته من عجائب اللغة العربية؛ فاستطاعَتْ استبدال جميع الكلمات ذات حرف الحاء إلى كلماتٍ مجردة منه فى فصول "سرد الراوي العليم". لقد تعلَّمتُ أنَّ اللغة العربية ثرية، بل إنَّها مليارديرة من حيثُ أحرفها وألفاظها، والرواية خير دليل.
"الحقيقة"، حول هذا المفهوم العسير تدور رواية "عناق برائحة الورق"، الحقيقة التي تختفى على مر العصور، إذ يطمسها البعض لمنفعة أو خشية. السؤال هو إلى أي مدَى يمكنُ للإنسان أنْ يتملصَ من حقيقته مخافة مواجهتها. فى الرواية خشَى البشر مواجهة الحقيقة المُرَّة أنُّهم خُطاة أشرار بطبيعتهم قاموا بالحرب لأسباب كانَ يمكن احتواؤها بسهولة، وبدلًا من ذلك أحالوا الذنب كله على حرف مسكين وهو حرف الحاء لاحتواء كلماتٍ عدوانية عليه مثل "حرب"، "سلاح"، "تحزُّب"، "احتراق"،... ونسوُا أنَّ هذه الكلمات ليس لها سلطان ما لم يستخدمها المرء على النحو الذي يشاؤوه.
أيمكنُ لشخصٍ بائس يكتب فى الظل ويبيع مؤلفاته فى جُبنٍ وبلادة أنْ يصيرَ بطلًا؟ أجل يُمكن، فى هذه الرواية وقعَ ذلك الأمر مع "صَهيل"... أيمكنُ للكاتب أنْ ينهي روايته بدون أنْ يفسرَ كل ما يجيىء فيها؟ أجل يمكن، فى هذه الرواية وقعَ الأمر مع ذراع صهيل اليسرى التي ظننا جميعنا أنَّ وراءها آلاف الألغاز لنكتشفَ أنَّ الأمر أبسط من ذلك بكثيـــــــــــــر لدرجة السخرية.
الحق أنَّ الرواية لم تكن عناقًا واحدة، بل آلاف العناقات، عناق المرء للحقيقة لدرجة الاحتراق الذاتي، وعناق "ري" و"كي" أمام شجرة الدردار قبل الولوج لمصنع الكلمات، وعناق والدة "صهيل" له وهي التي بلا ذراعين، وعناق والدة مُؤيد له الدائم، وعناق الورق للكلمات بينَ صهيل وقارئته الأولى، وعناق حياة صهيل لحكاية "مصنع الكلمات"، وعناق رواية الفتاة لحكاية "صهيل"، وعناق رواية السيد كاف لرواية مصنع الكلمات وحكاية صهيل وحكاية كاتبة صهيل، وأخيرًا عناق رواية "مُنَى سلامة" نفسها لجميع هذه الحكايات فى روايتها (عناق برائحة الورق).
ألم تفهموا شيئًا؟ حسنًا، هذا لأنَّ الرواية ينبغي أن تُقرَأ كي تتعرفوا على هذه العناقات جميعها...!
أيمكنُ للإنسان أنْ يحترق بشعلة اكتشاف الحقيقة المُرَّة؟ أجل، وهذا ما تمَّ بالفعل فى الرواية، فلم تكن حوادث الاحتراق الذاتي سُوَى أثر مترتب على اكتشاف الحقيقة المُرة والتي لم يتحملها أصحابها فاحترقوا بها.
نهر الجنون، من المجنون ومن العاقل؟ سؤال يطرح ذاته، أيمكنُ للجنون أنْ يكونَ عقلًا لمجرد أنَّ الكثيرين يتبعونه؟ أيمكن للعقل أنْ يكونَ جنونًا لمجرد أنَّ واحدًا فى الملايين يتبعه؟ سؤال غاية فى الأهمية، والإجابة رغمَ سهولتها –وهي أنَّ العقل سيظل عقلا دائمًا والجنون سيبقى جنونًا أبد الدهر- لكن تطبيقها فى الحياة الواقعية غاية فى الصعوبة. ومن هُنَا يقع اختبار البشرية، فى أنَّ بعض الأمور الصحيحة لا يتبعها الأكثرون حتَى يتشكك القليلون المتبعون لها ويفضلون الجنون –أي تتبع خطوات الخطأ- لمجرد ألا يُهجروا على الطريق الصحيح وحدهم...!
رواية غريبة كمَا ذكرتُ، ولم أتمكن من ذكر كل ما أشاء، لكن فى النهاية، الرواية ممتازة، ممتعة، بها معلوماتٍ ومفاجآت، إنَّها الواقعية فى إطار فانتازي... أرشحها للقراءة!
محبتي....!
No comments:
Post a Comment