Saturday, August 17, 2024

الليبرالية من وجهة نظري

 

"الليبرالية من وجهةِ نظرى!"



الليبرالية هى أيدولوجيةُ العصرِ التى حققت انتصارَها المؤقت على الأيدولوجية المعادية، "الشيوعية" فى نهاية الحرب الباردة مع بداية تسعينات القرن الماضى. على التطورات التى مرَّت بها الليبرالية، ما بين الليبرالية الكلاسيكية إلى الليبرالية الحديثة، ومع الاختلافات التى أضافتها كل حقبة على هذه الأيدولوجية، فإنَّ ركائزها لا تزال تقريبا واحدة. على نحوٍ مختصر، تُشَيَّدُ الليبرالية على مفاهيم كما: "الفردية"، و"المصلحة الذاتية"، و"النزعات الرشيدة"، و"الحرية" –بمشتقاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية-، و"الفرص المتساوية للنجاح"، و"الدستورية وحقوق الإنسان"، و"التسامح"، و"الانفصال بين الفضائين العام والخاص"، و"الموافقة والعقد"، وغيرها. وليس محلُّ المقال هو تقصِّى هذه المفاهيم ومعانيها بقدر ما هو نظرة نقدية لها وللأيدولوجية كاملا.

بالنظر إلى الليبرالية، فهى تُعَدُ فى نهاية المطاف، أيدولوجية "رد الفعل" أو "رجعية" صُنِعَت من أجل إنهاء العهد حيث كان الفرد مقموعًا بأدوات الدولة والكنسية. وسعت هذه الأيدولوجية إلى استرجاع حقوق الإنسان مرةً أخرى إليه، وإلى عدم فرض أى صورة من صور القمع أو الكبت من أجل وهبه المساحة المحتاج إليها للإبداع، والخيال، وإعادة بناء الكون من جديد. وكان معقولا بالطبع لمناصريها أن يميلوا إلى فكرة أن "الإنسان رشيد" لمعارضة ومناقضة جمل "الخطيئة الأصلية وسقوط الإنسان" والتى تم استخدامها لجعل الأفراد غير واثقين من قدراتهم الذهنية، وبالتالى، يبقون فرائس تحت سلطة قساوسة وإمبرطورات ذلك العصر. وهذا بدا متجليًّا فى مفاهيم "الحرية الاجتماعية"، و"الدستورية"، و"التسامح" وغيرها مما تنادى بهم الأيدولوجية.

مع ذلك، فإنَّه من القيِّم ملاحظة أن هذه الزيادة فى الحرية لها مآخذها كما ال"الانعزال" الذى لسوف يحققه الانفصال بين الفضاء الخاص والفضاء العام، وكذلك قبول كل أشكال التصرف مهما كانت لا أخلاقية، والرضاء مع عدم المساواة الكثيرة التى سيلدها السوق الحر. فضلا عن ذلك، فإنها ستختزل الفرد فى شىءٍ مهتم بمصلحته، والذى لا يعبأ مثقال ذرة بالخير المشترك. وهذا سوف يحطم الروابط المجتمعية لأن العمل من أجل مصلحة كل إنسان وحده، بالتعويل على الصحة المطلقة لرشادته –والتى هى ليست صحيحة على الدوام- ستجعل من أى عمل جماعى شيئا متعذرا إذ أنَّ كل خطوة ستُعَلَّقُ على "مَنْ مِنَ الأَفْرَادِ يستشعر أن بقاءه ومصالحه مهددان بحيث يقبل المشاركة بقدراته؟!". بالإضافة إلى ذلك، فإنه كما هو مشاهد فى أغلب المجتمعات الليبرالية، حيث يعيش الأفراد من أجل مصالحهم فحسب، فإنَّهم يصلون إلى نقطة يفقدون معها الاهتمام بأى شىء، مما يدفعهم إلى الانتحار. وبكل تأكيدٍ، فإنَّه من غير المصدق به أن ذلك ليؤسس مجتمعا سليمًا.

No comments:

Post a Comment