Thursday, April 30, 2020

آنستي الصغيرة (2)




آنستي الصغيرة (2)
مثلما هناك أشخاص فى حياتِك مهمُّون، ولا غناءَ عنهم،
يؤثرون في نفسِكِ على نحوٍ لا يمكن إنكاره،
فهناك أشخاص لا معنى لهم فى حياتِكِ،
أناس وجودهم كعدمهم،
مجرد أسماء عابرة،
ترحل ولا تذكرنا ولا نذكرها.
آنستي الصغيرة،
لا ينبغي أن يكون لديكِ مشكلة فى عبور هؤلاء من الوجود إلى العدم فى رأسكِ وفى حياتكِ.
لكن المشكلة هي أنه حتى تدركي أن هذا الشخص أو ذاك سيكون من الصنف إياه،
فأنتِ تستهلكين طاقةً هائلةً،
وأيام طويلة،
وتفكير مطول،
ومشاعر مرهقة،
حتى تصلي إلى هذه النهاية المحتومة القاتلة.
آنستي الصغيرة،
ليت الوجوه تحمل على متنها إشارة بأي خانة ينبغي أن نصنفهم فيها منذ البداية:
كأن يكون ذاك موشومًا بكلمة "أساسي" وآخر "فرعي" وآخر "غير موجود"!
لكن ذاك مستحيلٌ.
عليكِ أن تخوضي التجربةَ حتى تصلي أنتِ إلى هذه الأوشام، وترسميها بنفسكِ على جباه المارين
فى حياتكِ،
ومثلما أنتِ ترسمينها، فعليكِ أن تتصافحي مع واقعة أنَّكِ سوف تنكوين بها أيضاً.
فهذه هي الحياة ..
والحياة ليست دائماً وردية.


المواساة فَنٌّ


المواساة فَنٌّ،
يحسبُ الجميعُ أنهم يتقنونه،
لكن الحقيقة أن قلما ينجح أحدهم فى هذا الفن!
أنا أول فاشلة فى مسألة "المواساة"،
وأحترم كل من يجهر معترفًا بأنه فاشلٌ فى ذاك الفن!
المواساةُ فنٌّ،
ليس الجميعُ مولعًا به،
لكن الحقيقة أن مهمته تقعُ علينا فجأة وبلا مقدماتٍ!
ومسألة الفشل فى المواساة يعقد الأمور على نحوٍ شنيع!
أخشى المواساة من الآخرين: أن أتلقاها أو أن ألقيها،
لأني فى كلتا الحالتين مخفقة:
أنا أخفق فى تلقِّى المواساة أو فى إلقاء المواساة،
وأترك الله وحده يواسيني فى أفكاري وفى خواطري،
أحدثُ نفسي وتقنعني وأقنعها،
أنا أفضل مواسية لنفسي:
سواء متلقية أو ملقية.

آنستي الصغيرة (1)




آنستى الصغيرة ..
كونى واثقة يا عزيزتى أن شيئا فى هذا الكون لا يستحق أن تذلى نفسك لأجله،
كونى عالمةً أن أحلامك وطموحاتك حينما تكون بوسع الكون، فإن التهاون فى تحقيقها لهو جرمٌ عظيم!
آنستى الصغيرة ..
لا تقولى "من أنا اليوم من هؤلاء؟!"، فاليوم قد خُلِقَ حتى تصنعى من نفسك ما يجارى هؤلاء ومن هم أعظم من هؤلاء أيضا!
الحياة ما هى إلا مسرح كبير، كل من عليه فانٍ إلا وجه الله،
ضعى فى ذهنك فحسب أن كل هؤلاء الذين أضعتى ملامحك لأجلهم، لن يذكروكِ بحرفٍ يوم تلاقون حسابكم،
لذا، فلتعبأى فقط بما يجمِّل وجهك، ويعبِّدُ لك السبيل إلى جنان الله الرحبة، حيث الفوز الجليل، والكسب الذى لا بعده خسارة ..

Wednesday, April 29, 2020

موت الأدب




موت الأدب
الموت، ما هو الموت؟!
الموت هو انتزاع الروح عن الجسد. وهنا، لا يعوز الجسد إلا أن يتحلل. إنُّه فقدان الجسد المادي لكل الأنيطة التي تربطُهُ بأرض العالم. وبالتالي، فإنَّ ديدان الأرض تنخر عظامه، ويتحلل متحولاً إلى رفاتٍ بالية.
والحقُّ أنَّ الأدب بدوره يموتُ.
إنُّه يموتُ عندماَ تُنْتَزَعُ منه الروحُ انتزاعاً. يموتُ عندما نقطِّرُ مقومات الحياة له. بل والأعجبُ أنُّه يموتُ أيضاً عندما نُفرِطُ فى إعطائه الأسمدة والأملاح والمخصبات. إنُّه يهلكُ بمعنى أفضل. تبدو كلماتى مبهمة شيئا ما. لكننى على يقين من إدراككم لمغزاى.
من أهم ما يميز الأدب عن غيره شيئان: أولهما هو العاطفة والخيال الجامح الذى يكاد يصوِّرُ المشهد تصويرا صادقا حتى وإن افتقد الكاتب معاصرة هذا المشهد. وثانيهما هو التركيب اللغوي للجملة المسطورة. تتكوُّن العبارة فى اللغة العربية من فعل وفاعل ومفعول، إن كانَتْ الجملة "فعلية"، ومن مبتدأ وخبر إن كانَتْ جملة "اسمية". ولا ضررَ من إضفاءِ بعض النكهات الجمالية (محسنات بديعية أو استعارات مكنية/تصريحية أو كنايات) كى يصير ما نسطره أدبا لا حقيقة علمية نضعها بتجريد لا جمال به.
ومن ثمَّ، فإذا خلا النص من العاطفة والخيال، فلا أدبا. كذلك، إذا اختمَّتْ الجملةُ بعناصرها أو تاهت عنها عناصرها، إذًا لا أدباً أيضاً.
فالجملة العربية بالضبط كمعادلة حسابية بها مجهولات "Unknowns". وهنا أهدف من لفظة "المجهول" فى المجال الأدبي: الكلمة الصعبة أو المجهولة أو التى لم تطرق أعيننا أبدا. عند وضع مجهول واحد فى المعادلة الرياضية، يسهل علينا الإيتان به. عند وضع اثنين، يبقى لنا المجال شاسعاً أيضاً. أما إذا زاد العدَدُ واتسع، تهلهلت المسألة أمام المحاسب الطبيعى، وتعسرت الإجابة.
وبدورها الجملة الأدبية، إذا ارتفع مؤشر المجهولات، فإن هذا لا يؤدى إلا إلى هلهلتها. ومن ثم، يتغاضى البعض عن فهمها تماما. هذا على الرغمِ من أن لو تجردَتْ العبارة مما يغلظها من هذه الألفاظ العتيدة، لظهر أنَّ فحواها بسيط. بل لقد ذكر "يحيى حقِّي" فى إحدى مقالاته أنَّ الأدب الجاهلي كانَ كالقشرة الصلدة، التي ما إن تتفتت حتى يتضح أنْ جوهرها بالٍ وبلا معنى.
لا قصد لى أبدا أن البعد عن غير المألوف من المرادفات هو الحل لإخراج الأدب من برزخه المبكر. ولا أجادل بتاتا خلوَّ الجملة من أى كلمة قوية تنشط الذهن إنما هو ضرب لإفتار اللغة أشد. إنما أقصد أن نتحرى الوسطية.
لغة الضاد مكتظة بالكلمات التى لو لُقِنَتْ على مسامع الخلق كافة، لكفتهم.
وواجبنا نحن الكُتَّاب العرب بوجه خاص والقراء بوجه عام، أن نتوخى* المعانى السليمة، فى المواضع السليمة*!
لا بأس من استعمال ما يشدد[1] فهمه، بكثرة وبغزارة. لكن، لا حرج أيضا فى ترجمة، وفى تقليل معيار الغلظة فى الجملة الواحدة. من ناحية، فإنَّ الترجمة وسيلةٌ للتعليم، وكأنَّ القطعة الأدبية درسٌ نتعلمُ من خلالها. وبمرور الوقت تنتعش اللغة فى أفئدتنا. ومن ناحية أخرى، فمن المستحب استخدام لفظ وحيد أو لفظين على أكثر تقدير "غير مألوفين" فى الجملة الواحدة، ليسهل تكهن معناها.
لا حاجة لأن أتطرق إلى العاطفة فى الأدب. فما الرواية أو القصة القصيرة أو المقال أو الشعر إلا عاطفة متكلمة. فإن فرغت القطعة الأدبية من العاطفة، إذًا فهى فرغت من روحها. كما أن من أقومِ الطرق لتقديم العاطفة هى ترتيب الأفكار التى تحدُّ العاطفة قبل أن تشط[2]. فلو طغت العاطفة عن الأفكار، صار ما نكتتبه مجرد نواحاً لا معنى له وعاطفةً لا حدود لها يعيها العقل.
إذًا نستخرج مما ألقيت الآن أن الأدب عاطفةٌ وفكرٌ وجملةٌ لغويةٌ. كلما التزمنا بالوسطية فى ثلاثتهم، خرج الأدب قوياً متيناً، ويحيى إلى أن يأذنَ الله بأمر آخر.




[1]  أي يصعب
[2]  أي تبعد عن الصواب

نبذة عن الموت الرحيم







"الموت الرحيم"، هذا الموضوع منذ البداية وهو يثيرني ويشحذ أفكاري نحو التفكير المعمق. مقال[1] مكتوب بطريقة تشويقية وبالفعل أستوعب أن 'باكون' يكون من أنصاره فى ظل نضاله من أجل حماية وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان. يمكن النظر الي هذا المقال باعتباره افتتاحية مختصرة لموضوع من أشد الموضوعات حساسية. ومن هذا المنطلق، فلا أريد الانسياق وراء انتقاد أنه موجز للغاية، وقام بسرد حجج الفريق المؤيد بغزارة نسبية مقارنة بسرده لحجج الفريق المعادي.
هناك الكثير من الأعمال السينمائية التي عبرت عن هذه المعضلة مثل "Just like Heaven"، و"Me before You"، و"Guzaarich". وبينما حسَمَ الأول فيهما المعضلة ضدَّ الموت الرحيم، فالثاني والثالث استسلما له. والمسألة تتوارث تعقيدها من تعلقها بالمعتقدات الدينية. فكلما كنت مؤمنا بالله، بت أكثر اقتناعا بأن الحياة الإنسانية أمانة فى بيد البشر، عليهم الحفاظ عليها والتأقلم مع الظروف الصحية المخلوقة عليه، والتسليم بأن مهما نزلت عليها المعاناة واعتورتها المصائب، فالتعويض موجود لا محالة فى الآخرة. والعكس صحيح أيضا.
قرأت منشورا على الفايسبوك يتحدث عن أن الأكثر سهولة هو إيجاد شخص مستعد أن يموت، على أن تعثر عمن يتطوع لتحمل الألم. وهذا حقيقي. فالألم شعور مستفز لكل جسدك وقادر على امتصاص لحظات سعادتك وإيمانك. ومن هنا يأتي التحدي الحقيقي والاختبار الحقيقي: تحمل الألم مع إلغاء اختيار الانتحار. فمع إلغاء هذا الاختيار، يصبح على الإنسان أن يواجه بكل شجاعة مصيره، وكلما استطاع استخراج الحكمة من وضعه وصبر ورضي، كانت جائزته كبرى عند ربه. أما لو ترك الانتحار اختيارا، لما بقى على الأرض واحد، وبذلك تنتفي ضرورة الحياة وضاع مغزاها. هذا بالنسبة للدين 'الإسلامي' -الذي لا أستطيع الإفتاء فى غيره-.
لا أريد أن أبدو متحيزة لحزب على الآخر، لكن المعضلة لن تحل بالحجج الواقعية والطبية فقط، بل الدينية. وهذا ما يجعلها معضلة دينية بالأساس.
أرجو الشفاء لكل مريض، وأشعر أني ما زلت أملك المزيد لأقوله لولا أني لا أستطيع بلورة أفكاري بالصورة الكاملة حاليا.



[1] ياسمين موسى، "ايثونيجيا: كلمة لم أسمعها من قبل"، جريدة النخبة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، العدد ١٠، أغسطس ٢٠١٩، ص ٧

مسلسل اختفاء (الوهم وحب التملُّك)





أولا: الفكرة .. لا شكَّ أن الفكرة الأصيلة لمسلسل "اختفاء" هى "عدالة السماء لسوف تُطَبَّقُ ولو طال بنا العمر". وكذلك "هل يحلُّ علينا التاريخ بما هو صحيح على الدوام أم يتم تشويهه أثناء تواتر السنوات؟" ولا يمكن أن ننسى "عصر الاستبداد ومراكز القوى فى مصر فى فترة الستينيات من القرن العشرين واستخدام عناصر المخابرات لنفوذهم من أجل غاياتهم وأهوائهم الشخصية وكم يكون ذلك مدمرًا"، هذا غير مسألة فى غاية الخطورة وهى "هل يبرر العشق المجنون القتل فى سبيل من نحب؟! وهل تتحقق السعادة فيما بعد؟". كلها أفكار محورية فى المسلسل وجميعها نال إعجابى الشديد واحترامى من الكاتب. وأظنها أفكار قطب إعجاب كل من يشاهدها.
ثانيا: الحبكة الدرامية: تنقسمُ الحكاية إلى محورين أساسيين: "شريف عفيفى الصحفى الروائى -هشام سليم- الذى يسعى بشق الأنفس لنشر روايته التى تفضح أحد أعلام ريادة الأعمال "سليمان عبد الدائم". فقد اتهمه بارتكابِ جريمة قتل منذ خمسين سنة. وزوجته فريدة -نيللى كريم- أستاذة الأدب الروسى فى جامعة القاهرة التى عاشت معه قصة حب كادت أن تفنى أمام معوقات الحياة واليأس، وهى شبيهة ببطلة المحور الثانى للمسلسل مما يضعها فى مأزق كبير. والمحور الثانى عام 1968 بالتحديد، مع "نسيمة سوفاليان -نيللى كريم أيضا-، وهى الأرمينية التى أحبت تراب مصر وعاشت عليها طيلة عمرها ولم تشأ العودة إلى موطنها الأصل مع أهلها وبقت تحيا للحرية. أحبت الرسام المغمور نادر الرفاعى -محمد علاء- وقصتهما تكادُ توازي غرام روميو لجولييت. هذه القصَّةُ التى أربكها سليمان عبد الدايم -محمد ممدوح- إلى حد الدمار.
ثالثًا: الأداء: أرى -عن نفسى- أن نيللى كريم -فى كلا الدورين وخاصة فى دور نسيمة سوفاليان- قد استحقت وعن جدارة وساماً. وهذا بالمقارنة بأداء العديد من الممثلات الأخريات كما دينا الشربينى مثلا فى مسلسل مليكة أو نور فى مسلسل رحيم أو يسرا اللوزى فى مسلسل بالحجم العائلى. نيللى أثبتت أنها قادرة على لعب العديد من الأدوار واستغلال طاقاتها فى مساحات مختلفة .. هذه المرَّة، جاءَتْ بهذا الشعر الأشقر القصير، وحذاء أسود ذي خطٍ فضي من الخلف تتهادَى به كما الدمية الوسيمة. هذه المرَّة، جاءَتْ عاشقةً ضاع معشوقها فى وسط حب التملُّكِ. أتَتْ ترسمُ تطور شخصيةٍ من شدَّةِ الحرية والحياة، إلى شدَّةِ القيدِ والموت. ماتَتْ نسيمةٌ سوفاليان تدريجياً حتى وإن لم تكنْ فَنَتْ جسدياً. ونيللي رسَّمَتْ حدودها ترسيماً.
مما لا ريب فيه أن محمد ممدوح قد تفوق على نفسه، فهو يقدر على إرسال القشعريرة فى الأبدان بمجرد نظرة شرسة. وكذلك أن يرسل الضحكة من خلال نكات بسيط منه. إنُّه يطرحُ علينا سؤالاً من خلال هذه الشخصية عجيبة الشأن: أنَّى للمرءِ أن يحيكَ وهماً شديد الاتساع ويعيش فيه لمدَّةٍ تزيدُ عن الخمسين عاماً دونَ أن يهلَكَ؟ فذكاء سليمان عبد الدايم قد وَهَبَهُ ملكةً، ألا وهي "اختلاق الوهم والمحيى فيه". اختلق الكذبة الأولى، وهي أنَّ نسيمة سوفليان تعشقه لولا وجود زوجها "نادر". والكذبة الثانية، ألا وهي "نسيمة سعيدةٌ معي، لكنَّها مرهقةٌ بعض الشىء"، والكذبة الثالثة، ألا وهي "نسيمة مَاتتْ وهي تحبُّني .. نسيمة ماتَتْ وسأبقى مخلصاً لها ديني ما حييتُ"، والكذبة الرابعة، ألا وهي "فريدةُ هي نسيمة وينبغي التفريق بينها وبين زوجها لتكونَ لي". وفى النهاية، جاءَتْ الحقيقة بوصول هذه المرأة العجوز إليه وهو على فراش الموت، لتدكَّ له أكاذيبه كافةً على أمِّ رأسه. فيموتُ وهو يعلمُ أنهُ لم يصطنع إلا الهراء. وقد كانَتْ عيشته تلك (التي تعجُّ بالأوهام) هي خير عقابٍ إلهي على استغلاله التعسفي لسلطته فى تعذيب الآخرين.
المسلسل قد رفع الستار عن أداء ممثل رائع أراه مبدع وهو محمد علاء. كان رجلاً رقيقًا ووديعًا جدًا لينال تعاطف الكثيرين حقا. فى البداية، تبدو عليه شيم أصحاب الأفكار الماركسية والشيوعية التي انتشرت خلال فترة الستينيات من القرن العشرين. فهو هذا الرسَّام ذو الشعر الأشعث والسلسلة المحيطة بجيده، ومنزله فوضوي يعجُّ بالأسطواناتِ لموسيقات أجنبية. لكنْ مع توالي الأحداث، تتعرَّفُ على رجلٍ آية فى الخجلِ والحياء، والحبِّ البريء. لقد تآلف مع نسيمة وحاولَ أن يحيطها بسياجٍ من الحماية. فهذا المشهدُ الذي عرفاَ خلاله أنَّ منزلهما مراقبٌ كانَ خير دليل على ذلك. فجأة، استطاعَ أن يسحب المشاهِدَ معه وهو يقصصُ على امرأته حكايةٍ كي تنامِ بأمنٍ وبلا خوفٍ. حكى لها معاناته مع أبيه الذي لا يقدر موهبته. سردَ فى كلماتٍ وجيزة مخاوفه وآلامه وأحزانه. استطاعَ "محمد علاء" أن يخطط شخصية نادر الرفاعي باحترافٍ، لتجعل الجميع غير قادر إلا أن يتأثر معه ومع مآلاته النهائية.
رابعًا: الموسيقى: فى الوهلةِ الأولى، تتبدَّى روعة الموسيقى فى تتر المقدمة، والذي يبدأ بأنَّ أحدهم قد شغَّلَ مسجلةً، ثمَّ تتوالى الأحداث كأنَّها أسطورة وهمية غير حقيقية. تتلاحق المشاهد متقطعةً خلال هذه الدقائق القليلة لتعلنَ عن أنَّ القادمَ سيكون ملحمياً. ثمَّ تبدأ الحلقات مع موسيقى هي أشبه بالأوبرا منها إلى الموسيقى العادية. عنصرٌ أساسي من احتكامِ حبكة الرواية هي الموسيقى. فهي تعبقُ بالحنين إلى الماضي، وإلى العصور الغابرة حينما كانَتْ الأنثى أنثى، والرجل رجلاً.
فى الختام، كانت رحلة مشوقة هذه التى خضتها وأنا أعيش فى هذا المسلسل بلمحاته الإنسانية المتعددة. مسلسل أراه من أهم المسلسلات المصرية على الإطلاق. عذراً، وضعتُ بؤرة التركيز على الثلاثي "نسيمة وسليمان ونادر". فقد كانَ هذا الثلوث الشيطانِي مرعباً فى روعته، فى واقعيته، فى كآبته وفى قدرته على سحب البساط من جميع جوانب المسلسل الأخرى. هذا لا يقلل من قيمة باقي الحكاية. لكن هذا الجزء على وجه التحديد، هو الحلمُ بعينه. قلمَا يشهَدُ المرء على عملٍ قيِّمٍ يخلبُ الألباب. وهذا العمل خَلَبَ لُبِّي وقلبِي.


السخرية السياسية




السُخْريَة السياسيَّة
بقلم: إنجى خالد أحمد صلاح الدين
تَتَعَدَّدُ الوَسَائِلُ الْتِى يَسْتَطِيعُ بِهَا المَرْءُ التَّعْبِيرَ عَنْ رَأيِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّظَامِ السِّيَاسِى، وَسَيْرِ الْعَمَلَيَّةِ السِّيَاسَيَّةِ بِصُورَةٍ عَامَّةٍ. وَمِنْ بَيْنِ هَذِهِ الوَسَائِلِ تَظْهَرُ أَسَالِيبٌ مُخْتَلِفَةٌ كَمَا الانْتِخَابَاتِ وَعَمَليةِ الاقْتِرَاعِ –بِأشكَالِهَا الْكَثِيرَةِ-، أَوْ الصُّعُودِ إِلى مَنصَّاتِ الأَحْزَابِ السياسيَّةِ، أو الظُّهُورِ فِى وَسَائلِ الإعْلَامِ وَغَيْرهِا. وَلَعَلَّ جَمِيعَ تِلْكَ الطُرْقِ تَتَطلَّبُ التَّعبيرَ المُبَاشِرَ عَن رَأىِّ الشَّخصِ، وَلَيْسَ المُتَحَايِل، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْنَعُ بَعْضَ المُرَاوغَةِ للتَشْدِيدِ عَلَى المَعْنَى المَقْصُودِ.
غَيْرَ أَنَّ السُّخريَّةَ السَّياسيَّةَ تَتَبَايَنُ مَعْ هَذِهِ الوَسَائِل فِى كَوْنِهَا وَسِيلةً غَيْرَ مُبَاشِرَة لِلْتَنْفِيسِ عمَّا لَا يَجُوزُ التَّنْفِيسُ عَنْهُ بِصُورةٍ مُبَاشِرَةٍ. وِإنَّ السُّخريَّة السَّياسيَّةَ فِى جَوْهَرِهَا تَتَوجَّهُ بِقَنَوَاتِ اتِّصَالٍ غَيْرِ سِيَاسيَّةٍ أَصْلًا بَيْنَ الأَشْخَاصِ كَمَا المَسْرَحِ أو الأَفْلَامِ أَو الكَارِيكَاتُورِ أَو حَالِيًّا وَسَائِل التَّواصُلِ الاِجْتِمَاعِى، مِنْ أَجْلِ وَضْعِ مَوقِفٍ مُعَيَّنٍ لِمُوَظَّفٍ سِيَاسِّي تَحْتَ الْمِجْهَرِ، وَلَكِنْ فِى شَكْلٍ لَا يُثِيرُ حَوْلَهُ التَّشَكُّكَ وَلَا مَكَامِنَ الْغَضَبِ. وَذَلِكَ الْأَمْرُ يَكُونُ فِى إِطَارٍ فُكَاهِىٍّ، يَدْعُو إِلى الضَّحِكِ فِيمَا قَدْ يُسمَّى "الكُومِيديَّا السَّوْدَاءَ".
وَالحقُّ أنَّ مِثْلَ هَذَا الْأُسْلُوبِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمَثِّلُ مُشَارَكَةً سِيَاسِيَّةً بِمَعْنَاهَا المَطْلُوبِ، فَإِنَّهُ يَظَلُّ مُهِمًّا لِمَا فِيه مِنْ وِقَايَةٍ لِأَفْرَادِ الشَّعْبِ مِنْ حَالَةِ "اللامبالاة السَّياسيَّةِ" إِذْ يَبْقَى المُوَاطِّنُ قَادِرًا عَلَى مُواكَبَةِ مُجْرَيَاتِ الْمُجْتَمَعِ، وَحَوَادِثِ السِّيَاسَةِ الضَّرُوريَّةِ، وَلَا يَنْعَزِلُ عَنْهَا. وَلَمْ يَكُنْ أُسْلُوبُ السُّخريَّةُ السِّيَاسيَّةُ وَلِيدَ الْعَصْرِ الحَدِيثِ، بَلْ إِنَّهُ يَرْجِعُ إِلى عَشَرَاتِ القُرُونِ وَلَا تَخْلُو حَضَارَةٌ مِنْ حَضَارَاتِ العَالَمِ الْقَدِيمِ أَوْ الجَدِيدِ مِنْهَا، وَالتَارِيخُ شَاهدٌ عَلَى ذَلِكَ. كَمَا أَنْهُ لَيْسَ حِكْرًا عَلَى الْأَنْظِمةِ الدِّيكتَاتُوريَّةِ فَحَسْب، وَإِنْمَا يَمْتَدُّ إِلى الْأَنْظِمَةِ اللِّيبْرَاليَّةِ وَالدِّيمُقْرَاطيَّةِ. وَإِنْ يخْتلِفُ مُعَدُّلُ اسْتِغْلَالِه مِنْ نِظَامٍ إلى آخرٍ مِمَّا لَا يَدْعُو للرَيْبِ.
وَبِالرَّغْمِ مِمَّا فِى ذَاكَ الْأُسْلُوبِ مِنْ مَزَايَا ضَرُورِيَّةٍ كَمَا الْحِفَاظ عَلَى التَّواصُلِ بَيْنَ مُواطِنِى الشَّعْبِ وَسَيْرِ العَمَليَّةِ السِّياسِيَّةِ، عِلَاوَة عَنْ إِعْطَاءِ السَّاسَةِ وَصَانِعِى القْرَارِ مَنْظُور حَوْلَ تَوَجُّهِ الرَّأَى العَامِ بِخُصُوصِ الْحَوَادِثِ الْمَصِيريَّة، فَلَا تُوْجَدُ أَدَاةٌ مثاليةٌ بِنِسْبَةِ 100%. وَالسُّخْريَّة السِّياسيَّة مَا تَزَالُ لَدَيْهَا جَانِبٌ خَطِيرٌ يُرْفَعُ اللثامُ عَنْه خُصُوصًا فِى النُّظمِ الْمُسْتَبِدَّةِ، التِى لا تنصتُ إلى آرَاءِ المُواطِنِينِ وَلَا تَعْبَأُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ بِمَا يُصَارِعُونَ لِلْتَّعْبِيرِ عَنْهُ بِصُورَةٍ غَيْرِ مُبَاشِرَة.
وَمِنْ ثَمَّ تُصْبِحُ السُّخْرَيَّةُ السِّياسيَّةُ لَاذِعَةً تَكْوِى بِنَارِهَا صَانِعِيهَا وَالمُشَاهِدِينَ لَهَا، بِحَيْثُ يَظلُّونَ فِى سُخْرَيَّتِهِم غَيرِ الْمُكْتَرثِ لَهَا إِلَى أَنْ يُكْتَبَ عَلَيهِم اليأسُ، فَيُصْبِحُونَ أَمْثِلَةً لِلْجُمُودِ، وَتَتَوَلَّدُ لَدَيْهِمُ اللَّامُبَالَاة بِقَسْوَّةٍ. أَوْ لَعَلَّهُم فِى نِهَايَةِ الْمَطَافِ، تُفْرَزُ فِيهِمُ طَاقَةٌ شَدِيدَةُ السَّلْبِيَّةِ تَحْدُو بِهِم إِلَى الْانْهِيَارِ إِلْى مُسْتَنْقَعِ الْعُنْفِ! وَهَكَذَا، فَمَهْمَا بَدَت السُّخريَّةُ السِّياسيَّةُ مُضْحِكَةً، وَمُثْيرَةً لِحِسِّ الدُّعَابَةِ، فَإنَّهَا تَظَلُّ جَرَسًا مُنْذِرًا لِلْأَنْظِمَةِ الْسِّيَاسِيَّةِ بِشَتَى أَنْمَاطِهَا. وَبِدُونَ الإنْصَاتِ إِلَيهَا، فَإِنَهَا لَنْ تَصِيرَ فُكَاهِيَّةً مُطْلَقًا، بَلْ سَيَنْشَزُ لَحْنُهَا، وَتَتَحَوَّلُ إِلَى أَبْوَاقِ عُنْفٍ بِالدَّمَارِ ضَارِبَةٍ!

واقعية سلسلة هاري بوتر السحرية



ما يميز جوانا كاثلين رولينج عن غيرها من كاتبات وكتَّاب السحر الآخرين هو ما أضافته على أفكارها السحرية من واقعية تكاد تدفعنا للتفكير فى أن هارى بوتر شخصية متجسدة حولنا وأن عالم السحر هو ما سنعثر عليه إن حفرنا قليلا أسفل العاصمة لندن.
لقد صنعت مدينة متكاملة للسحرة. فلهم الوزارات والبيوت والأزقة والمدارس ووسائل الترفيه كذلك كما مباريات كرة القدم. إنَّ المدرسة تقومُ فى موعدٍ محددٍ (الأول من سبتمبر) على أن يقتطع التلاميذ عطلةً بمناسبة الكريسماس فى (الخامس والعشرين من ديسمبر)، وتتوقف الدراسة بعدَ سورة امتحاناتٍ فى أول يوليو ليحصل الطلاب على عطلةٍ لمدة شهرين. هذا النظام المحدد والمرتَّب والذي يكادُ يتشابه مع الأنظمة التعليمية فى البلدان أغلبها، يضفي واقعيةً محببةً إلى الصدور. هناك الجرائد تتناولُ الأخبار السياسية والفنية والرياضية. بل وهناك أقسامٌ متفرعةٌ من الوزارات السحرية، مثل القسم الذي عمل فيه والد رونالد ويزلي (المتخصص فى أمور العوام من غير السحرة).
ماذا عن العلاقات الإنسانية بل شديدة الإنسانية التى ربطت هارى بأصدقائه كما جعلت منهم أشخاصا ذوى سمات طبيعية تمامًا، يكرهون ويحبون ويتشاجرون، منهم النبيه ومنهم المتسلط ومنهم المتعجرف ومنهم الشجاع والأخرق. ولكل طالبٍ وزميلٍ له قصُّةٌ شديدة الواقعية، لا يأتي السحر إلا لكي يزيدها بروزاً وتأثيراً. كما مثلا نيفل ووالداه المستودعان فى مستشفى الأمراض العقلية بعدَ أن عاصروا تعذيباً مبرحاً على أيدي فولدمورت ليقنعهما بالوشاية على جماعة العنقاء، ولكي يحميا طفلهما الصغير. ومنذ ذاك الحين، وهو يعيشُ مع جدته المتسلطة طيبة القلب.
إنه عالمٌ يوازى عالم العامة بكل تفاصيله وإن تمكنت من إضفاء لمحات السحر والشعوذة بتلقائية تجعله محببا للقلوب. سبعة أجزاءٍ تتزامنُ مع سبع سنواتٍ دراسية لهاري بوتر وزميليه "رونالد ويزلي" و"هرميون جرانجر". فى كل سنةٍّ دراسية، تتكشَّفُ لهم بعضاً من قصة "العلاقة بين الندبة المشوهة لجبهة هاري وبين فناء جسد فولدمورت عندما حاولَ القضاء عليه". والأعجب، أنَّ رولينج قد أنشأت علاقات إنسانية متعددة على بنيان السحر. فمثلاً، علاقة "سيفروس سنايب" و"ليلي إيفنز"، وقصة الحب التي باتت مستحيلة من جراء أفعاله ومداومته على مصاحبة "آكلي الموت"، مما اضطرها للرحيل. لكن قلبه لم ينبض لغيرها، وأحبَّ ابنها كابنه، وعمل على حمايته بشتى الطرق. هذا الرجل الآية فى الاعتزاز بالنفس، وصاحب الضمير، الذي لم يستحبْ أن يشتهر بطيبته، وفضَّلَ أن يظلَ منظوراً إليه باعتباره الخائن. هذا لعلمه أنُّه يفعل فعلاً جليلاً، وأنَّ فضله سوف يُعرَفُ عاجلاً أم آجلاً.
مهما شاهدت من أفلام السحر والمغامرة، تبقى قدرة هذه المرأة تبهرني. ففى خلال هذه السلسلة العملاقة التي تزيد على الثلاثة آلاف صفحة، فقد تمكنَّتْ من وصل الأفكار بلا اضطرابٍ، وربط أفكار الجزء الأول، مع نهايات الجزء السابع. امرأةٌ ذات قدراتٍ جبَّارةٍ، لم تهتزْ فكرتُها يوماً. ظلمتها الأفلام -رغمَ جلالها-. فالروايات مليئة بالتفاصيل المشوقةِ والتي لا غنى ولا يعوضها مجرد المشاهدة. أعتبرُ أنَّ كل المحاولات الروائية والسينمائية التي تناولت السحر موضوعاً لها كما (لورد الخواتم)، و(الشفق)، و(مذكرات مصاصي الدماء) .. إلخ، لن تجاري هذا الإبداع الحقيقي. فأيهم لن يستطيع خلقَ هذا العالم الواقعي السحري، بنواقصه وآلامه وأحلامه وطموحاته، وبراءته، وعمقه. امرأةٌ تستحقُّ الانحناء لها تقديراً لخيالها الفتَّانِ.  

ألف ليلة وليلة والسادية!


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لكل من يمضي إلى مدونتي.
فى البدء، أحببتُ أن يكون أول ما أنشره على هذه المدوَّنة يتعلق برواية "ألف ليلة وليلة". فقد استقيتُ اسم المدوَّنة من بطلتها "شهرزاد". إلا أنَّ خلافاً للمتوقع، فهذا المقال سوف يكونُ انتقاداً لاذعاً لهذه الرواية.
أنوِّهُ أنى أناقش فكرة الحكاية ولا أدَّعى قراءتى لها .. بل إنى اكتفيت منها بالتفاصيل البسيطة وبعض الأعمال الفنية الشهيرة التى تمت بناء عليها. 
"إن بى من الفور والغضب -من تلك الرواية- ما يقصينى إلى آخر صفوف المهووسين بها. دعك مما تحويه من قصص حميمية مخجلة. فإنه لا تغرنى حواشى شهريار ولا سلطانه، بل لم تأخذنى نحوه الرأفة ولا الشفقة قط. لقد ذبح تسعمائة وتسعة وتسعين امرأة بلا ذنب سوى كونهن من بنات حواء، أو سليلات الجنس الناعم اللاتى لاقى من إحداهن غدرًا. فراح يعمِّمُ على مخاليق الله مقتنصًا مرتبته العالية كما الشمس فى المجموعة الشمسية.
بعدَ أنْ يتزوجَهُنَّ ويستبيحَ عرضهن لليلةٍ واحدةٍ يذلُّهنَّ إذلالاً إبانها، فإنُّه يسوقهن إلى التهلكةِ تحت سيف الخادم العبد مسرور. أي ساديةٍ تلك التي يتمتعُ بها هذا الملك الباغي؟ وأي انعدام مسئولية هذا الذي يتسم بها هذا الجائر الذي هجر شؤون رعيته طائفاً وراء انتقامٍ؟ والأعجب أنُّه بالفعل قد اقتصَّ من هذه الخائنة وقتلها قتلاً وأدفعها ثمن جريمته النكراء.
لم يبهرنى هذا الرجل ولو هفوة أبدًا؛ فما المُلْكُ مصنوع لمثل تلك الترهات السخيفة.
الأنكَى والأمر من ذلك هو أن شهرزاد تروى ما فى جعبتها من قصص وحكايات فقط من أجل أن تنال رضاء هذا الملك الطفل الملول الذى يعبث بدماه. لكن للأسف، فالدُمَى ليس جماداً فى هذه الحالة، بل هي شعبٌ كاملٌ مغلوب على أمره. هذا الشعب الذى أوكله يومًا لرعاية شئونه لا لوأد بناته إرضاء لكبريائه المدحور.
وهو ينصت إليها تمتعًا وطربًا واشتهاءًا فى تلك المرأة التى لم يسبق أن وجد مثيلة لها تأسر لبه فى حكاياها. يَمِنُّ عليها يوميًا بالحياة.
ثم انتهت الرواية بالانتصار الماحق -فى أنظارهم-، والسخيف -فى نظرى-: وذلك أن حظت شهرزاد بحب الملك الذى أدناها منه وقربها ممتنعًا عن العادة السيئة الكريهة فى تزوجه من العذارى الحمقاوات اللاتى -لسوء طالعهن أو لسوء حظهن- لم ينعم عليهن الخالق بنعمة السرد والحكى. وهكذا لم يكن فى انتظاره أي عقاب واحد على ما ارتكبه من فظائع. إنه عاتٍ من العتاة وسفاح سفَّاكٌ للدماء. ويكونُ مصيره هو الإنعام عليها بالرَغَدِ والعيش إلى جواره. 
أنَّى لقوم أن يتولاهم هذا الممسوس ولا يدع من بناتهن ولا واحدة، وأن يستأمنوه على مصائرهم؟
فى الواقع، لقد بالغت الرواية فى العدد الصارخ لضحايا هذا الرجل المعتدى الظالم (999 امرأة). أين هو قصاص الحياة؟ أنَّى لرغيد العيش بصحبة شهرزاد أن يكون هو الكنز الثمين الذى يحصل عليه هذا المجرم المدان فى النهاية؟ إن كان المتكلم مجنونًا، فالسامع يعقل!
وهكذا، دارَتْ حبكةُ الرواية حول ضرورة بلوغ شهرزاد محبة وود هذا الطاغوت المتفرعن. وانتهت بأنْ تحققت هذه الغاية، ووافق المستبد على أن تمكثَ بمحاذاته إلى الأبدِ دون أن يجذَّ رأسها. إذًا، فهى نهاية تثبت سيادة الزوج على الزوجة. إن هى لم تسدد خطاها جيدًا فى إسعاد وإشعال جذوة الغرام منه نحوها، أو كانت بريئة كما التسعمائة وتسع وتسعين امرأة -اللاتى شبع من جمالهن قبل أن يرمى ببقاياه للكلاب المسعورة-، فالموت مصير لها. أراها نهاية سادية كما الرواية بأكملها!
عُرِفَ أن لم يكن ل"ألف ليلة وليلة" كاتباً محدداً ولا معروفاً. إنه كتاب لقيط جُهِلَ مصدرُه. والبعض يفتى أنه صُنِعَ على مدار أعوام على أيدى الكثيرين بعد أن جاب البلاد والعماد. غير أنه وبرغم ما يحيط به من سديم غموض يبدو كما الوجبة الدسمة لأى قارىء، فإن أى من تفاصيله لم تزلزل كيانى. لماذا؟ لأن به من قنوط وتجبر ورحمة بقاتل لا نكران ولا سقوط لتهمه أبدًا. وهذا غشَّانى فعميت عن رؤية أى فضيلة من فضائله"!