Wednesday, April 29, 2020

ألف ليلة وليلة والسادية!


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لكل من يمضي إلى مدونتي.
فى البدء، أحببتُ أن يكون أول ما أنشره على هذه المدوَّنة يتعلق برواية "ألف ليلة وليلة". فقد استقيتُ اسم المدوَّنة من بطلتها "شهرزاد". إلا أنَّ خلافاً للمتوقع، فهذا المقال سوف يكونُ انتقاداً لاذعاً لهذه الرواية.
أنوِّهُ أنى أناقش فكرة الحكاية ولا أدَّعى قراءتى لها .. بل إنى اكتفيت منها بالتفاصيل البسيطة وبعض الأعمال الفنية الشهيرة التى تمت بناء عليها. 
"إن بى من الفور والغضب -من تلك الرواية- ما يقصينى إلى آخر صفوف المهووسين بها. دعك مما تحويه من قصص حميمية مخجلة. فإنه لا تغرنى حواشى شهريار ولا سلطانه، بل لم تأخذنى نحوه الرأفة ولا الشفقة قط. لقد ذبح تسعمائة وتسعة وتسعين امرأة بلا ذنب سوى كونهن من بنات حواء، أو سليلات الجنس الناعم اللاتى لاقى من إحداهن غدرًا. فراح يعمِّمُ على مخاليق الله مقتنصًا مرتبته العالية كما الشمس فى المجموعة الشمسية.
بعدَ أنْ يتزوجَهُنَّ ويستبيحَ عرضهن لليلةٍ واحدةٍ يذلُّهنَّ إذلالاً إبانها، فإنُّه يسوقهن إلى التهلكةِ تحت سيف الخادم العبد مسرور. أي ساديةٍ تلك التي يتمتعُ بها هذا الملك الباغي؟ وأي انعدام مسئولية هذا الذي يتسم بها هذا الجائر الذي هجر شؤون رعيته طائفاً وراء انتقامٍ؟ والأعجب أنُّه بالفعل قد اقتصَّ من هذه الخائنة وقتلها قتلاً وأدفعها ثمن جريمته النكراء.
لم يبهرنى هذا الرجل ولو هفوة أبدًا؛ فما المُلْكُ مصنوع لمثل تلك الترهات السخيفة.
الأنكَى والأمر من ذلك هو أن شهرزاد تروى ما فى جعبتها من قصص وحكايات فقط من أجل أن تنال رضاء هذا الملك الطفل الملول الذى يعبث بدماه. لكن للأسف، فالدُمَى ليس جماداً فى هذه الحالة، بل هي شعبٌ كاملٌ مغلوب على أمره. هذا الشعب الذى أوكله يومًا لرعاية شئونه لا لوأد بناته إرضاء لكبريائه المدحور.
وهو ينصت إليها تمتعًا وطربًا واشتهاءًا فى تلك المرأة التى لم يسبق أن وجد مثيلة لها تأسر لبه فى حكاياها. يَمِنُّ عليها يوميًا بالحياة.
ثم انتهت الرواية بالانتصار الماحق -فى أنظارهم-، والسخيف -فى نظرى-: وذلك أن حظت شهرزاد بحب الملك الذى أدناها منه وقربها ممتنعًا عن العادة السيئة الكريهة فى تزوجه من العذارى الحمقاوات اللاتى -لسوء طالعهن أو لسوء حظهن- لم ينعم عليهن الخالق بنعمة السرد والحكى. وهكذا لم يكن فى انتظاره أي عقاب واحد على ما ارتكبه من فظائع. إنه عاتٍ من العتاة وسفاح سفَّاكٌ للدماء. ويكونُ مصيره هو الإنعام عليها بالرَغَدِ والعيش إلى جواره. 
أنَّى لقوم أن يتولاهم هذا الممسوس ولا يدع من بناتهن ولا واحدة، وأن يستأمنوه على مصائرهم؟
فى الواقع، لقد بالغت الرواية فى العدد الصارخ لضحايا هذا الرجل المعتدى الظالم (999 امرأة). أين هو قصاص الحياة؟ أنَّى لرغيد العيش بصحبة شهرزاد أن يكون هو الكنز الثمين الذى يحصل عليه هذا المجرم المدان فى النهاية؟ إن كان المتكلم مجنونًا، فالسامع يعقل!
وهكذا، دارَتْ حبكةُ الرواية حول ضرورة بلوغ شهرزاد محبة وود هذا الطاغوت المتفرعن. وانتهت بأنْ تحققت هذه الغاية، ووافق المستبد على أن تمكثَ بمحاذاته إلى الأبدِ دون أن يجذَّ رأسها. إذًا، فهى نهاية تثبت سيادة الزوج على الزوجة. إن هى لم تسدد خطاها جيدًا فى إسعاد وإشعال جذوة الغرام منه نحوها، أو كانت بريئة كما التسعمائة وتسع وتسعين امرأة -اللاتى شبع من جمالهن قبل أن يرمى ببقاياه للكلاب المسعورة-، فالموت مصير لها. أراها نهاية سادية كما الرواية بأكملها!
عُرِفَ أن لم يكن ل"ألف ليلة وليلة" كاتباً محدداً ولا معروفاً. إنه كتاب لقيط جُهِلَ مصدرُه. والبعض يفتى أنه صُنِعَ على مدار أعوام على أيدى الكثيرين بعد أن جاب البلاد والعماد. غير أنه وبرغم ما يحيط به من سديم غموض يبدو كما الوجبة الدسمة لأى قارىء، فإن أى من تفاصيله لم تزلزل كيانى. لماذا؟ لأن به من قنوط وتجبر ورحمة بقاتل لا نكران ولا سقوط لتهمه أبدًا. وهذا غشَّانى فعميت عن رؤية أى فضيلة من فضائله"!


No comments:

Post a Comment