Wednesday, April 29, 2020

السخرية السياسية




السُخْريَة السياسيَّة
بقلم: إنجى خالد أحمد صلاح الدين
تَتَعَدَّدُ الوَسَائِلُ الْتِى يَسْتَطِيعُ بِهَا المَرْءُ التَّعْبِيرَ عَنْ رَأيِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّظَامِ السِّيَاسِى، وَسَيْرِ الْعَمَلَيَّةِ السِّيَاسَيَّةِ بِصُورَةٍ عَامَّةٍ. وَمِنْ بَيْنِ هَذِهِ الوَسَائِلِ تَظْهَرُ أَسَالِيبٌ مُخْتَلِفَةٌ كَمَا الانْتِخَابَاتِ وَعَمَليةِ الاقْتِرَاعِ –بِأشكَالِهَا الْكَثِيرَةِ-، أَوْ الصُّعُودِ إِلى مَنصَّاتِ الأَحْزَابِ السياسيَّةِ، أو الظُّهُورِ فِى وَسَائلِ الإعْلَامِ وَغَيْرهِا. وَلَعَلَّ جَمِيعَ تِلْكَ الطُرْقِ تَتَطلَّبُ التَّعبيرَ المُبَاشِرَ عَن رَأىِّ الشَّخصِ، وَلَيْسَ المُتَحَايِل، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْنَعُ بَعْضَ المُرَاوغَةِ للتَشْدِيدِ عَلَى المَعْنَى المَقْصُودِ.
غَيْرَ أَنَّ السُّخريَّةَ السَّياسيَّةَ تَتَبَايَنُ مَعْ هَذِهِ الوَسَائِل فِى كَوْنِهَا وَسِيلةً غَيْرَ مُبَاشِرَة لِلْتَنْفِيسِ عمَّا لَا يَجُوزُ التَّنْفِيسُ عَنْهُ بِصُورةٍ مُبَاشِرَةٍ. وِإنَّ السُّخريَّة السَّياسيَّةَ فِى جَوْهَرِهَا تَتَوجَّهُ بِقَنَوَاتِ اتِّصَالٍ غَيْرِ سِيَاسيَّةٍ أَصْلًا بَيْنَ الأَشْخَاصِ كَمَا المَسْرَحِ أو الأَفْلَامِ أَو الكَارِيكَاتُورِ أَو حَالِيًّا وَسَائِل التَّواصُلِ الاِجْتِمَاعِى، مِنْ أَجْلِ وَضْعِ مَوقِفٍ مُعَيَّنٍ لِمُوَظَّفٍ سِيَاسِّي تَحْتَ الْمِجْهَرِ، وَلَكِنْ فِى شَكْلٍ لَا يُثِيرُ حَوْلَهُ التَّشَكُّكَ وَلَا مَكَامِنَ الْغَضَبِ. وَذَلِكَ الْأَمْرُ يَكُونُ فِى إِطَارٍ فُكَاهِىٍّ، يَدْعُو إِلى الضَّحِكِ فِيمَا قَدْ يُسمَّى "الكُومِيديَّا السَّوْدَاءَ".
وَالحقُّ أنَّ مِثْلَ هَذَا الْأُسْلُوبِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمَثِّلُ مُشَارَكَةً سِيَاسِيَّةً بِمَعْنَاهَا المَطْلُوبِ، فَإِنَّهُ يَظَلُّ مُهِمًّا لِمَا فِيه مِنْ وِقَايَةٍ لِأَفْرَادِ الشَّعْبِ مِنْ حَالَةِ "اللامبالاة السَّياسيَّةِ" إِذْ يَبْقَى المُوَاطِّنُ قَادِرًا عَلَى مُواكَبَةِ مُجْرَيَاتِ الْمُجْتَمَعِ، وَحَوَادِثِ السِّيَاسَةِ الضَّرُوريَّةِ، وَلَا يَنْعَزِلُ عَنْهَا. وَلَمْ يَكُنْ أُسْلُوبُ السُّخريَّةُ السِّيَاسيَّةُ وَلِيدَ الْعَصْرِ الحَدِيثِ، بَلْ إِنَّهُ يَرْجِعُ إِلى عَشَرَاتِ القُرُونِ وَلَا تَخْلُو حَضَارَةٌ مِنْ حَضَارَاتِ العَالَمِ الْقَدِيمِ أَوْ الجَدِيدِ مِنْهَا، وَالتَارِيخُ شَاهدٌ عَلَى ذَلِكَ. كَمَا أَنْهُ لَيْسَ حِكْرًا عَلَى الْأَنْظِمةِ الدِّيكتَاتُوريَّةِ فَحَسْب، وَإِنْمَا يَمْتَدُّ إِلى الْأَنْظِمَةِ اللِّيبْرَاليَّةِ وَالدِّيمُقْرَاطيَّةِ. وَإِنْ يخْتلِفُ مُعَدُّلُ اسْتِغْلَالِه مِنْ نِظَامٍ إلى آخرٍ مِمَّا لَا يَدْعُو للرَيْبِ.
وَبِالرَّغْمِ مِمَّا فِى ذَاكَ الْأُسْلُوبِ مِنْ مَزَايَا ضَرُورِيَّةٍ كَمَا الْحِفَاظ عَلَى التَّواصُلِ بَيْنَ مُواطِنِى الشَّعْبِ وَسَيْرِ العَمَليَّةِ السِّياسِيَّةِ، عِلَاوَة عَنْ إِعْطَاءِ السَّاسَةِ وَصَانِعِى القْرَارِ مَنْظُور حَوْلَ تَوَجُّهِ الرَّأَى العَامِ بِخُصُوصِ الْحَوَادِثِ الْمَصِيريَّة، فَلَا تُوْجَدُ أَدَاةٌ مثاليةٌ بِنِسْبَةِ 100%. وَالسُّخْريَّة السِّياسيَّة مَا تَزَالُ لَدَيْهَا جَانِبٌ خَطِيرٌ يُرْفَعُ اللثامُ عَنْه خُصُوصًا فِى النُّظمِ الْمُسْتَبِدَّةِ، التِى لا تنصتُ إلى آرَاءِ المُواطِنِينِ وَلَا تَعْبَأُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ بِمَا يُصَارِعُونَ لِلْتَّعْبِيرِ عَنْهُ بِصُورَةٍ غَيْرِ مُبَاشِرَة.
وَمِنْ ثَمَّ تُصْبِحُ السُّخْرَيَّةُ السِّياسيَّةُ لَاذِعَةً تَكْوِى بِنَارِهَا صَانِعِيهَا وَالمُشَاهِدِينَ لَهَا، بِحَيْثُ يَظلُّونَ فِى سُخْرَيَّتِهِم غَيرِ الْمُكْتَرثِ لَهَا إِلَى أَنْ يُكْتَبَ عَلَيهِم اليأسُ، فَيُصْبِحُونَ أَمْثِلَةً لِلْجُمُودِ، وَتَتَوَلَّدُ لَدَيْهِمُ اللَّامُبَالَاة بِقَسْوَّةٍ. أَوْ لَعَلَّهُم فِى نِهَايَةِ الْمَطَافِ، تُفْرَزُ فِيهِمُ طَاقَةٌ شَدِيدَةُ السَّلْبِيَّةِ تَحْدُو بِهِم إِلَى الْانْهِيَارِ إِلْى مُسْتَنْقَعِ الْعُنْفِ! وَهَكَذَا، فَمَهْمَا بَدَت السُّخريَّةُ السِّياسيَّةُ مُضْحِكَةً، وَمُثْيرَةً لِحِسِّ الدُّعَابَةِ، فَإنَّهَا تَظَلُّ جَرَسًا مُنْذِرًا لِلْأَنْظِمَةِ الْسِّيَاسِيَّةِ بِشَتَى أَنْمَاطِهَا. وَبِدُونَ الإنْصَاتِ إِلَيهَا، فَإِنَهَا لَنْ تَصِيرَ فُكَاهِيَّةً مُطْلَقًا، بَلْ سَيَنْشَزُ لَحْنُهَا، وَتَتَحَوَّلُ إِلَى أَبْوَاقِ عُنْفٍ بِالدَّمَارِ ضَارِبَةٍ!

No comments:

Post a Comment