Wednesday, April 29, 2020

واقعية سلسلة هاري بوتر السحرية



ما يميز جوانا كاثلين رولينج عن غيرها من كاتبات وكتَّاب السحر الآخرين هو ما أضافته على أفكارها السحرية من واقعية تكاد تدفعنا للتفكير فى أن هارى بوتر شخصية متجسدة حولنا وأن عالم السحر هو ما سنعثر عليه إن حفرنا قليلا أسفل العاصمة لندن.
لقد صنعت مدينة متكاملة للسحرة. فلهم الوزارات والبيوت والأزقة والمدارس ووسائل الترفيه كذلك كما مباريات كرة القدم. إنَّ المدرسة تقومُ فى موعدٍ محددٍ (الأول من سبتمبر) على أن يقتطع التلاميذ عطلةً بمناسبة الكريسماس فى (الخامس والعشرين من ديسمبر)، وتتوقف الدراسة بعدَ سورة امتحاناتٍ فى أول يوليو ليحصل الطلاب على عطلةٍ لمدة شهرين. هذا النظام المحدد والمرتَّب والذي يكادُ يتشابه مع الأنظمة التعليمية فى البلدان أغلبها، يضفي واقعيةً محببةً إلى الصدور. هناك الجرائد تتناولُ الأخبار السياسية والفنية والرياضية. بل وهناك أقسامٌ متفرعةٌ من الوزارات السحرية، مثل القسم الذي عمل فيه والد رونالد ويزلي (المتخصص فى أمور العوام من غير السحرة).
ماذا عن العلاقات الإنسانية بل شديدة الإنسانية التى ربطت هارى بأصدقائه كما جعلت منهم أشخاصا ذوى سمات طبيعية تمامًا، يكرهون ويحبون ويتشاجرون، منهم النبيه ومنهم المتسلط ومنهم المتعجرف ومنهم الشجاع والأخرق. ولكل طالبٍ وزميلٍ له قصُّةٌ شديدة الواقعية، لا يأتي السحر إلا لكي يزيدها بروزاً وتأثيراً. كما مثلا نيفل ووالداه المستودعان فى مستشفى الأمراض العقلية بعدَ أن عاصروا تعذيباً مبرحاً على أيدي فولدمورت ليقنعهما بالوشاية على جماعة العنقاء، ولكي يحميا طفلهما الصغير. ومنذ ذاك الحين، وهو يعيشُ مع جدته المتسلطة طيبة القلب.
إنه عالمٌ يوازى عالم العامة بكل تفاصيله وإن تمكنت من إضفاء لمحات السحر والشعوذة بتلقائية تجعله محببا للقلوب. سبعة أجزاءٍ تتزامنُ مع سبع سنواتٍ دراسية لهاري بوتر وزميليه "رونالد ويزلي" و"هرميون جرانجر". فى كل سنةٍّ دراسية، تتكشَّفُ لهم بعضاً من قصة "العلاقة بين الندبة المشوهة لجبهة هاري وبين فناء جسد فولدمورت عندما حاولَ القضاء عليه". والأعجب، أنَّ رولينج قد أنشأت علاقات إنسانية متعددة على بنيان السحر. فمثلاً، علاقة "سيفروس سنايب" و"ليلي إيفنز"، وقصة الحب التي باتت مستحيلة من جراء أفعاله ومداومته على مصاحبة "آكلي الموت"، مما اضطرها للرحيل. لكن قلبه لم ينبض لغيرها، وأحبَّ ابنها كابنه، وعمل على حمايته بشتى الطرق. هذا الرجل الآية فى الاعتزاز بالنفس، وصاحب الضمير، الذي لم يستحبْ أن يشتهر بطيبته، وفضَّلَ أن يظلَ منظوراً إليه باعتباره الخائن. هذا لعلمه أنُّه يفعل فعلاً جليلاً، وأنَّ فضله سوف يُعرَفُ عاجلاً أم آجلاً.
مهما شاهدت من أفلام السحر والمغامرة، تبقى قدرة هذه المرأة تبهرني. ففى خلال هذه السلسلة العملاقة التي تزيد على الثلاثة آلاف صفحة، فقد تمكنَّتْ من وصل الأفكار بلا اضطرابٍ، وربط أفكار الجزء الأول، مع نهايات الجزء السابع. امرأةٌ ذات قدراتٍ جبَّارةٍ، لم تهتزْ فكرتُها يوماً. ظلمتها الأفلام -رغمَ جلالها-. فالروايات مليئة بالتفاصيل المشوقةِ والتي لا غنى ولا يعوضها مجرد المشاهدة. أعتبرُ أنَّ كل المحاولات الروائية والسينمائية التي تناولت السحر موضوعاً لها كما (لورد الخواتم)، و(الشفق)، و(مذكرات مصاصي الدماء) .. إلخ، لن تجاري هذا الإبداع الحقيقي. فأيهم لن يستطيع خلقَ هذا العالم الواقعي السحري، بنواقصه وآلامه وأحلامه وطموحاته، وبراءته، وعمقه. امرأةٌ تستحقُّ الانحناء لها تقديراً لخيالها الفتَّانِ.  

No comments:

Post a Comment