Thursday, May 29, 2025

تفاحة أيوب، بينَ إغواء المعصية وصبر التوبة

 


تفاحة أيوب، وتنويه بوجود حرق في الأحداث، فلا يسعني التعليق بدون أن أحرق من جمال الحبكة ذاتها!

لهذا أستأذن من لم يقرأها أن يمتنع عن قراءة المراجعة التي أعتبرها تأريخًا لقراءتي لها أكثر من أن تكون ترشيحًا للقراءة...

.

.

.

لقد استلزمني من أجل كتابة مراجعة على هذه التحفة الرومانسية، الكثير من الوقت،

كلما قلت هذا هو التوقيت السليم من أجل أن أذرف شيئا من رأيي فيها، شعرت أني واهمة وأن الوقت لم يحن بعد،

أعتقد أن هذا هو حالي عندما أمتلئ حد التخمة من عمل أدبي أو غير أدبي معين، أبقى ذاهلة عاجزة عن صباغة كلمات ترضيني...

وأعتقد أني في هذه المراجعة سأتسم بالبلادة أيضًا في التعبير، لكني مع ذلك أرغب حقًا في مشاركة بعض الرأي عنها...

أيوب، والذي عاش مع عائلة العريم، حياة فاحشة بالمعنى الحرفي، لا يطولهم شئ من تقوى الله، يقتاتون على غسيل الأموال وكل الجرائم (عدا القتل يعني)،

تزوّج من امرأة لا تشبهه، وأنجب طفلة لا تشبهه، حتى حلت اللعنة وكان لابد من الاقتصاص منه...

في حادثة أصيب بالتشوه في بعض وجهه وعرج يقعده عن الحركة السليمة، وشلل في أفكاره دفعه للهرب من أجواء العائلة المسمومة إلى حي "الخانوم"...

من رجل أعمال يطوف على بحر من المليارات، إلى رجل غامض يسكن في بيت شعبي يتسم بتدني مستوى المعيشة، لن أقول فقراء معدمين ولكنهم مع ذلك بالتأكيد أقل مستوى مما كان وضعه عليه!

تلاقى مع سارة وجهاد، التوأم المتشابه خلقة والمتباين طبعًا وخصالًا، الأولى تقبلت بحب رومانسي أن تدير مكتبة أيوب الصغيرة والتي صنعها لتكون مصدر دخله، التي لم تر من الدنيا سوى أجملها الهادئة الرزينة، الخلابة في الرقة والحنان، والثانية الشرسة المتمردة التي عجنتها الحياة بعد تجربة زواج فاشلة وجنين مات قبل أن يولد...

طيلة النصف الأول من الرواية وأنا -ككل القراء- نتوقع قصة حب بين الجميلة سارة والوحش أيوب، رغم اعتراضات الأخت والأم والجدة،

وهذا لتبدع كاردينيا في موقف معين وبسوء فهم لتغيير كل شىء... موقف يخص التفاحة ذات الخمر!

تناقش الرواية مسألة التوبة، والإيمان برحمة الله،

هل بإمكان الشخص بعدما سبح طويلا وعميقا في بحر الظلمات والآثام أن يتوقف عن السبح الطويل ويرتد مؤمنا؟

هل المال الكثير الوفير كاف ليغلف مصدره القذر؟

تأثرت كثيرا من حكايات الإخوة الأربع، أدهم الذي مرض مرضًا صعبًا بعدما جرته المقادير لعشق امرأة محرمة عليه رآها تتعذب بين يدي اغلى الناس عليه، وهارون الذي يوظف حارسًا ليس ليحميه من الأعداء الآخرين وإنما ليحميه من نفسه... أما الأخ الأخير، فلا يستحق التذكر أصلا!

علاقة أيوب وجهاد، هذه العلاقة التي تكونت بهدوء شديد وأناة من الجانبين، أكان أيوب أو هي يتخيلانها؟ يكفيني لقب "نملاوي"!

ضحكت كثيرًا في مشهد اصطحابه لها لملاقاة أهله في قصرهم المنيف وكيف أفسدت هي كل مخططاته ببراءتها...

منذ زمن طويل لم أكن متشوقة لتفاصيل علاقة بطلين بهذه الصورة، تنافر حد النزاع، حب حد العبادة...

قدمت كاردينيا في هذه الرواية تفاصيل مبدأية عن غسيل الأموال ومخاطره، وطرحت مفاهيم عديدة حول الإيمان والتقوى...

الحق أن التجربة التي خاضتها جهاد، كانت وعرة ومخاطرة كبيرة، فلو كان أيوب ما زال بسمته السابق، لضاعت وانتهت!

حنانه الحقيقي عليها، وهي التي كانت في أمس الحاجة لتربيتة ولتفهم لآلامها وأحزانها وتمردها...

كما أنها من المرات القليلة التي نقرأ لكاردينيا رواية إثارة وتشويق بخطط أيوب التي لا تنتهي...

نماذج متعددة ظهرت في رواية كبيرة الحجم، تدور حول الحلال والحرام، عن الحارة العراقية وشهامة بعض رجالها كالشيخين اللذين حملا على عاتقهما مصلحة جهاد والتصدي لغموض أيوب...

بالطبع وقعت في غرام تفاصيل حكاية سارة وحمزة، رقيقة، عذبة، حول فكرة "تزوج من يحبك لا من تحبه"... حمزة الجلف الذي يخفي في ثناياه طفلا صغيرا ما زال يتذكر تفاصيل سارة الدقيقة...

لن أحدثكم عن النهاية، والتي جاءت بعد شقاء كبييير لتحمل أوجاعا وانتصارات كعهد الحياة... لم يخرج الجميع سعيدًا بلا ريب..

رواية رائعة وسعدت كثيرا بقراءتها وأعتذر عن سهوى لبعض الأجزاء تخوفًا من المزيد من الحرق وكذلك لأن الذاكرة خانتني وأسقطت على مدار عامين أو أكثر بعض التفاصيل!

رواية بديعة خرجت كاردينيا فيها عن جلدها المعتاد ♥️

No comments:

Post a Comment