في الآونة الأخيرة، لنقل منذ عام، وقد تفتق لدي شغف جديد،
لا أعني شغفًا بهواية جديدة، وإنما تيمٌ بفرع جديد في هواية
قديمة،
إنه قراءة "السير الذاتية" سواء لشخصيات تاريخية
أو أدبية،
بدأ الأمر مع كتاب "الكاتبات والوحدة" لنورا ناجي
والذي فيه ناقشت بعض النماذج لمؤلفات عربيات وغربيات وكيف اتصلت حيواتهن
وإبداعاتهن الأدبية بالوحدة والخوف والاكتئاب والالتفاف حول المأساة الإنسانية..
لم يعجبني الكتاب لسببين أساسييين: تمجيد الانتحار والشذوذ،
ومحاولة الكاتبة نورا أن تزج بنفسها زجًا غير مقنع أحيانا بزمرة المؤلفات اللواتي
تستعرضهن...
اللهم إلا رضوى عاشور، فالباقيات اما انتحرن أو عشن حيوات
مشردة شاذة جنسيًا (حرفيًا)...
ثم توجهتُ لكتاب "الصرخة" للدكتورة رضوى عاشور
والذي قاطعت فيه مسيرة علاجها من سرطان المخ مع مقتطفات لحياتها وهمها بالشأن
العام المصري حيث كانت فترة حكم الإخوان المسلمين وإطاحتهم من الحكم...
لم أكن أعرف أن الكتاب هو الجزء الثاني لمؤلفها "أثقل
من رضوى" والذي سأقرؤه بإذن المولى في القريب العاجل...
ثم هبط علي كتاب "أنا قادم أيها الضوء" لمحمد أبو
الغيط، والذي فيه كان يعالج أوجاعه من سرطان المعدة بالكتابة الاستقصائية التي
ألِفها من عمله كصحفي استقصائي...
ثم كتاب "مشروع استقلال مصر ١٨٨٣" للكاتبين أ.د.
عماد أبو غازي وأ.د. والذي فيه ملاحقة لحياة الإمام محمد عبده وسيرته الذاتية من
أجل ربطها بالوثيقة المعثور عليها والمنسوبة إليه...
ثم مجموعة إحسان عبد القدوس "العذراء والشعر
الأبيض" والتي في قصتها الأخيرة، كتب إحسان أنه استوحاعا من حياة العندليب
الأسمر عبد الحليم حافظ، فكنت أقرؤها وأنا أحاول لعب دور المفتش كرومبو أو شيرلوك
هولمز وأربط الأحداث بحياة الفنان...
ثم كتاب "الجنوبي" لعبلة الرويني والذي كان عن
الشاعر العبقري أمل دنقل والذي كتبت عنه مراجعة مفصلة على مدونتي بإمكانكم الرجوع
إليها...
ثم البدء في كتاب "باولا" والذي تؤرخ فيه الكاتبة
اللاتينية إيزابيل أليندي رحلة ابنتها في الغيبوبة بسبب مرض الإيڤيرين وتوثق لها
إيزابيل أحداث عائلتها المتفرعة على أمل ان تصحو الابنة الشابة وأن تتعرف من خلال
أوراق أمها على شجرة عائلتها وحكاياتها... (لم أنه الكتاب لثقله ولكن بإذن الله
سأستكمله).
والآن أعيش مع الصفحبة إيمان مرسال وتتبعها لأثر
"عنايات الزيات" التي لم تؤلف سوى رواية وحيدة ظهرت عام ١٩٦٧، أي بعد
انتخارها بثلاثة سنوات ونصف، وهي "الحب والصمت"...
لا أعرف لِمَ أصبح لدي هذا النهم لقراءة حيوات الآخرين بلا
تجميل وبكل الرتوش والشوائب..
لدي الكثير من النظريات المفسرة، ولكني أرجح إحداها وهي أني
سئمت القصص الخيالي، هذا الذي ينسج شخصيات من وحي بال المؤلف، إما يضربون المثل في
المثالية أو في الانحلال...
في السيرة الذاتية سواء التي يكتبها الشخص لنفسه أو يكتبها
عنه غيره، هناك أصالة في حكي المأساة الإنسانية (أنسنة الحكاية). نحن لا نخترع
شخصًا من العدم، بل نقصص رؤى شخص من لجم ودم وروح، عاش وضحك وأكل وشرب وحزن وتألم
ومرض وخاف، خاااف...
بريق الخيال لم يعد يلفتني، لم يعد يبهرني، بل حكاية الإنسان
الحقيقية... خاصة في الفصول الأخيرة، حيث الاقتراب من الموت في حالة رضوى أو محمد
أبي الغيط، كيف امتلأت الكلمات الأخيرة بالمرارة حتى انقطع الخيط الأخير الواصل
بينهم وبين الحياة... بكيت في كلا الكتابين وكأني أؤبنهم وكأني شهدت لحظة لفظهما
لأنفاسهما الأخيرة...
آه، أعتقد أني لذلك أيضا لم أعد أقرأ الكتب البوليسية، وبدلا
منها أشاهد الكثير من الأفلام الوثائقية عن جرائم حقيقية، ارتكبها مجرمون حقيقيون
تدفعهم دوافع غير متخيلة بل شديدة الحقيقية وأمسكهم المسئولون بوسائل غير عبقرية
بل حقيقية بشرية...
الواقع، وليس الخيال، ما بات يلفت جيدي وعنقي ويحرك مكامن
شجوني وآلامي...
No comments:
Post a Comment