رواية الديناصور لعمرو حسين:
ملحوظة: بالمراجعة حرق للأحداث نوعًا ما
.
.
صدرَتْ هذه الرواية عن دار دوِّن تقريبًا عام 2021، وقد
انتقيتها بعدمَا سمعتُ عنها طيب الحديث. ثمَّ عرفتُ أنَّها ستتوافر في معرض
القاهرة الدولي للكتاب بسعر ممتاز وهو 150 جنيهًا بدلا من سعرها الأصلي وهو 250،
فوجدتُها فرصة لا تعوَّضُ للتعرف على روائي جديد.
على الرغم من عدد صفحاتها القليل نسبيًا وهو 220 صفحة
والرواية من الحجم الصغير، فقد عشت معها حوالي الأسبوعين نتيجة مشاغلي الكثيرة.
كُنت أتركها كبلسم في نهاية أيامي لكي أشعر بمشاعر إيجابية متَى قررت أخذ راحة.
تدور فكرة الرواية حولَ مُصطفى كمال، هذا العجوز السبعيني
الذي كانَ مهندسًا معماريًا، بارعًا في كتابة عشرات الخطوط: النسخ والرقعة والثُلث
وغيرها، قضَى أغلب سنوات عمره في الخليج حيث عمل قبل أن يقرر الرجوع لبلدِهِ وقد
شاخ، ثم تموت زوجته ويهاجر ابنيه: ابنه لكندا وابنته لدُبي. وهكذا يعود لعقر داره
بالمعادي وحيدًا، لا يملك سوَى ذاكرة قوية للماضي ومشتتة للحاضر، وشلة أصدقاء
بنادي المعادي يلاعبهم الطاولة ويهزمونه. في لحظة جميلة، أوصاه صديقه وجدي
بالكتابة، ومن هنا يبدأ فصل جديد في حياة كمال الهادئة الرتيبة.
على الجانب الآخر تستعرض الرواية شخصية منَّة صالح، هذه
الشابة ذات العشرين ربيعًأ والتي حباها الله بالقبول لدرجة أن تكون صانعة محتوَى
على وسائل التواصل الاجتماعي وتنجح نجاحًا باهرًا، بمساعدة صديق الطفولة، المخرج
الصاعد الذي كانَ يعطي إخراج مقاطعها "التافهة" أولوية على خطواته في
الإخراج.
ثلاثة شخصيات تبحر بنا الرواية في أغوارها بأسلوب المتكلم.
فكل فصل يرويه لنا واحد منهم، حتى تكتمل الصورة لدينَا، لقصة حبٍّ قديمة عاشها
الرجل العجوز ولم تكتمل، ولم يرغب في أن يتكرر خطأه من جديد مع هذا الثنائي الحبيب
الذي يعاني فيه الشاب من الخوف من علاقته بحبيبته المتوترة.
تناقش الرواية الجسر المفقود بين الأجيال، وترينَا كيف أن كل
جيل بحاجة للآخر. يحتاج الشباب لكبار السن ليرشدوهم للخُطى الصحيح إرشادًا اكتسبوه
بفعل التجارب العديدة التي مرُّوا بها، بينما يحتاج كبار السن إلى الشباب كي
يعلِّموهم أبجديات العالم الجديد التي تختلف من عصر لآخر. لا يمكن لأحد مهما كره
التطورات التكنولوجية وعرف عيوبها العديدة أن ينعزل. الانعزال في عصرنا يعني
الوحدة والشقاء.
عرضت الرواية هذه الفكرة بالإضافة إلى فكرة الحب الذي يضيع
بسبب الخوف من الرفض. فعلا ينبغي أحيانًا أن نجازف بكل ما لدينا لكي لا نعود ونندم
في وقت لا ينفع معه الندم. ولكن... ولكن تبقي لدي هذه الغصة من حكايات الحب التي
يكتبها بعض المؤلفين عن عشقٍ هام به الفتاة والفتَى في عصر ولَّى ثم لا يُكتب
لقصتهما التكلل بتاج الزواج، فيتزوَّجُ الرجل بأخري، تعيش تحت كنفه آمنة مطمئنة
ولا تعرف أنَّها مخدوعة في زوجها الذي لا يزال يهب روحه لعشقه البائد. هذا ليس
حبًا خالصًا في نظري، بل هي خيانة لزوجة تزوَّجَت زوجها وكلها نية طيبة في بناء عش
هادىء كريم معه في حين أنه قرر اتخاذ الزواج منها كتضحية يواسي بها نفسه. للأسف لم
تعد هذه الفكرة تبهرني قط.
للمؤلف أسلوب روائي رقيق حانٍ، بتشبيهات وديعة، ابتعدَ فيها
بالكلية عن التعقيد الذي يجعل القارىء غير قادر على الانسجام. هناك العديد من
المقتطفات توقفت لديها خاصة عندمَا وصف زياد مشاعره تجاه منة، أن بينهما خيطًا
محدد المسافة لا يكاد يقصر أو يطول، أو عندمَا وصفَ مصطفى مشاعر الوحدة التي
تعتريه. أيضًا الفصل الأول والثاني من الرواية حيث الكتابة من رؤية مصطفى لهذا
العصر الذي اتسم بالسرعة وتشوَّهَتْ فيه المعالم الجميلة للمعادي وللحياة عمومًا،
كانَ رائعًا لا سيمَّا علاقته بكامل الحلَّاق.
الأجداد نعمة، وأظني ذكرت لكم من قبل ما حركته الرواية من
شجن في قلبي لوفاة جديَّ وجدتيَّ وأنا ما زلت صغيرة. لهذا حسدت "نادية"
التي كتب لها الجدِّ هذه الرسالة ليشاركها سره وبذلك يخلق أواصر متينة بينهما. لم
تعرض الرواية ردَّة فعلها على ما تلقته من الكلمات النقية الخلابة، ربما لن تفهمها
الآن، ربما تتأثر قليلًا ثم تعود لحياتها. ولكن الأكيد أنها بعدمَا تخوض العديد من
التجارب حيث تكتشف أن انبهارات الحياة ليست سوَى وهم، فلسوف ترجع أدبارها إلى
الرسالة وتستشف هذا الحب الحقيقي النادر.
أعجبتني بالطبع الخطط التي رسمها زياد ومنة لمعرفة هوية
المُرسل إليها، ولا لم أتوقعها بالطبع لأنَّ المؤلف لم يضع لنا الكثير من
التلميحات. لهذا تلقيتها بابتسامة هادئة وإن كُنتُ أفكر في الزوجة الراحلة، فتعكر
صفو رحلتي مع المشاعر لدَى هذا الجزء.
في العموم، نالت الرواية إعجابي بمشاعرها السامية، وقدرة
الكاتب على أن يغمس قارئه في بحور الماضي حيث الجمال الهادىء القديم، ثم في بحور
الحاضر حيث عصر السرعة. الرواية عبارة عن مقارنة بينَ قصتي حبٍّ في عصرين مختلفين
وإن تشاركتا في ملامحهما. يبدو أن الإنسان هو ذاته مهمَا مرَّ عليه الدهر.
تقييمي: 4/5
No comments:
Post a Comment