Thursday, May 16, 2024
رحلتي من الشك إلى اليقين...... مصطفى محمود!
بنت القبطية، ضحية الفتنة الطائفية
أشهر السفاحين فى التاريخ
وادي الذئاب المنسية
أماريتا، وعظمة الملك تميم
Wednesday, May 15, 2024
أرض زيكولا، أرض الذكاء، أرض الحب
هذه هي المرة الأولى التي أقرأ فيها لعمرو عبد الحميد رغمَ شهرة هذه الرواية، وفى الواقع قرأتها بترشيح صديقة لي، وكُنتُ متخوفة بسبب اختلاف الآراء الهائل حولها.
الرواية من ناحية اللغة بسيطة، لن أقول ركيكة ولكنها بسيطة وتخلو من المفردات العسيرة، وهو ما يفيد القارىء المبتدىء أو القارىء الذي يبحث عن فسحة بينَ كتابين معقدين ذوي لغة قويمة رصينة، وبصراحة هذا ما كُنتُ أبحث عنه بالفعل.
من ناحية الحكاية والفكرة، فقد أعجبتني بشدة، من ناحية البحث عن البطولة من أجل الشعور بالذات بعدمَا فرضَتْ الظروف على خالد الإحساس بالقلة والدونية سواء برفض والد حبيبته به لثماني مرات أو بعدم إيجاده لعمل يناسب مؤهلاته الدراسية بل وعمله بوظيفة تحط من قدره بشكل كبير.
ثمَّ وصوله لأرض زيكولا والتي لم أحبها أبدًا، إنَّها بلدة خيالية تعيش على مقدار الذكاء لأن كل عام يقام احتفال يُذبح فيه الأقل ذكاءً.
وقد أوضحَتْ الرواية تأثير هذا النظام الغريب على الشعب نفسه؛ فالشعب لم يعد يريد التفكير كيلا يقل ذكاؤه ولا يريد مساعدة الغير سوَى بمقابل. خلقت الزيكولا شعبًا أنانيًا فرديًا لا يعرف معنَى الإيثار أو الأخلاق. ولكم تأثرت بحال "هلال" الذي قتل والد خالد حتَى يرثه. إنها حالة شديدة الوضاعة والحطة.
أسيل، أحببتُ رقتها ورقيها؛ لكم تمنيتُ لو أنهما يلتقيان فى النهاية ولكنهما حقا من عالمين مختلفين. والسؤال كانَ هل فعلا لم يكن ممكنًا له أن يصطحبها معه إلى عالمه؟ وهنا نعود لنتذكر مُنى التي لم تذنب أي ذنب فيما فعله أبوها، فلماذا ينساها خالد؟
نظام زيكولا نظام ظالم وليس به ذرة حياة وأستغرب السبب وراء رغبة خالد فى النهاية لأن يرافق منى إلى هنالك مرة أخرى. لا يمكن للمرء أن يعيش حياته بأكملها خائفًا من أن يكون الأقل ذكاء فيُذبح.
ترابط الأحداث مُذهل حقا، ما بينَ معرفته عن الكتاب الأغلى فى زيكولا "عن سرداب فوريك" وبحثه عنه؛ والتقاءه بأصناف مختلفة من البشر؛ ثمَّ معرفة مكانه ومحاولة جمع ثمنه لشراءه من أخيه؛ ثمَّ اللغز ومحاولة فكّ طلاسمه؛ ثمَّ دفعه لوحدات ذكاء هائلة فى سبيل ذلك جعلته الأفقر؛ ثم معاناته نحوَ الذبح فى يوم زيكولا (الذي اقترب أولا لحمل الملكة ثم اقترب أكثر لولادتها المبكرة) ثمَّ تدخل أسيل النهائي ومصيرها الحزين كي تستطيع إنقاذه، بل وتدخل أهل القرية أنفسهم ممن ساعدهم هو من قبل ليؤكد أن الإعانة والمساعدة لا تكون أبدًا بلا مقابل.
عنصر المفاجأة كان مستمرًا طيلة الرواية وحتى الكلمات الأخيرة.
للأسف فعلا لن يستطيع إخبار أحد بهذه المغامرة ولا بما جرَى لوالديه المسكينين ولا لأخيه الجاحد، فلسوف ينعته الجميع آنذاك بالمجنون.
سمعتُ من الكاتب يومًا أن هذا السرداب موجود بالفعل فى قريته؛ ولكم سُعدت من قدرته على حياكة هذه الحبكة الرائعة من هذه التفصيلة البسيطة.
أعجبتني الرواية وأراحت رأسي خصوصا وأني كُنتُ أسمعها لا أقرؤها، فكانت تنساب أحداثها فى رأسي بهدوء وسلاسة.
فشكرًا جزيلا د.عمرو عبد الحميد.
فراش فرويد امتلأ ضجيجًا
اضطررت لإنقاص هذه النجمة بسبب جرأة الكاتبة والتي لا أنتقدها من منطلق أعراف وتقاليد أخشاها بقدر ما هو إيمان بتعاليم دين إسلامى يحض على الحياء سواء عند الرجل والمرأة لتنتظم العلاقات الإنسانية وتبتعد عن مكامن الشهوة التي إذا قادت المجتمعات، أوصلتها للفجور الذي بالضبط هو ما يصبو إليه الشيطان فى رهانه الأزلى مع خالقه.
أما باقي النجوم، فمن أجل الفكرة التي رأيتها مميزة جدا، والتي ألخصها فى أن العبادة بلا محبة، لا بد من أن تؤدى لكره للإله الذي نعبده. والإسلام دين يؤكد الله فيه الاختيار حتى يحاسب كل فرد على ما جنته يداه بكل العدل والإنصاف.
نورا، عاشت جبانة، ضعيفة، ترسمها تقاليد وأعراف تخلو من الإيمان الحقيقي والتقوى، ولا ألومها بقدر ما ألوم أبويها المشمئزين. لم يعلما ابنيهما حب الله، فنشأ الفتى لا يعرف حدوده، متنبلًا كتنابلة السلطان، مزدوج المعايير، ونشأت البنت لا تعترف بأنوثتها وتخجل منها وتضطر لاقتراف الأخطاء سواء مصادقة "عاهرة" أو شرب الويسكي أو ممارسة العادة السرية بكل الحرية ما دامت فى الخفاء.
أجل، لم أحب شخصية مريم، وهي بالفعل عاهرة، فالحب لا يكون جنسا وحسب، وإنما مسئولية وتقدير ومودة ورحمة. وها قد وجدتها فى شريف ولو أنه أمر خيالي أن يسامحها على عهرها. وقبل أن تقول الكاتبة أني أتحزب للرجل، فأنا لا أقبل العلاقات العاهرة للرجل أو للمرأة وجميعها يقع فى نطاق الزنا المنهيين عنه.
طبعا قدرت فى النهاية من كلام زياد لنورا حول مكمن الحب ومكمن الشهوة، أن الكاتبة تنتصر للحب العذري الذي يحترم أنوثة المرأة ورجولة الرجل، لكن الجرأة كانت مكثفة خصوصا فى شخصية مريم.
أحببت زياد وخشيت أن يكون وهمًا، وغضبت من نورا لجرحها له، بالفعل هي التي خذلته وليس العكس. لم بكن أبواها ليقولا شيئا إذا تحدتهما بأنه رجل محترم ولا يهم الإنجاب. الحب مسئولية كما ذكرت، ولهذا لم تكن علاقة مريم وإلهامي أو مريم ومحسن حبا، بل عهرا، استحقت أن تعامل فيهما كبائعة هوى بلا مشاعر (ولا أعفي الرجلين عن المسئولية).
الشخص الحر هو الذي يمتلك الخيار بين الصواب والخطأ ويتحمل تبعته. والإسلام دين الأحرار لو يعلمون لا يمارسه سوى كل حر حتى يُجازى بعدل وبقسط. لم تكن نورا حرة أبدا، ولهذا توجهت للكتابة عن الجنس وإن تجلت القيود فى خوفها من نشر ما تكتبه.
أحببت النهاية الرمزية أن قدرتها على كتابة اسمها على الرواية يعني انها ستتمكن من استعادة زياد. وإن كنت أرى أن الكتابة الإباحية عموما لا تعنى الحرية وإنما الحض على رذائل يرفضها الدين ولا أهتم بالمجتمع مزدوج المعايير البالي.
تفاصيل لقاءات نورا وزياد كانت دافئة وجميلة، كذلك الحوار المستمر على فراش فرويد كان حيويا وان خفت أن تكون مرضت وتحدث شبحا تراه.
وأيضا أحب للكاتبة لو تستمع لكتاب يوميات نص الليل لمصطفى محمود، ففيه نقد لاذع لنظريات فرويد الذي يرة العالم يدور حول الاشتهاء والرغبات الجنسية زهو ما لبس حقيقيا سوى في مرحلة المراهقة فحسب.
أخسرا، كانت الرواية من أوائل قراءات المعرض، فلها مكانة خاصة وحقا أحب الكاتبة ولكن جرأتها فى الألفاظ لا أرى أنها ستخدمها فيما بعد.
Tuesday, May 14, 2024
الحزن نادية، والسم يجري فى منى... رواية بنات الباشا
للأسف رغم ما تنطوى عليه الرواية من معان نبيلة،
وحكمة سأفصل قليلا فى ذكر مآثرها،
إلا أن هذا كله لا ينفي أن الشخصية الأولى التى بدأت بها الرواية، الا وهي منى المسيحية، كانت غير مفهومة. هل الكاتبة تبرر المثلية وتعتبر الفتاة مسكينة لأن والديهما يحرمانها من محبوبتها؟
إذا كان الأمر كذلك، فعذرا، هذا غير صحيح، والوالدان فى هذه الحكاية بالذات كانا على حق فى رغبتهما لأن تستغفر الله لأن ما تفعله هو أمر يخرج عن نطاق كل الأديان وليس له من جزاء سوى جهنم.
بل وجعلت الكاتبة بمهارة، والد منى ينقلب إلى شخص شرير، مناقض لنفسه، سافر وسمح لابنته الجديدة بالتعري والتقي بمذيعة داعمة للشذوذ الجنسي، بل وجعلتها فى مقدمة نماذج أنثوية هن حقا بائسات ومثيرات للأسف والشفقة،
كل هذا فقط كي تدفع القارىء للتعاطف مع هذه الشخصية المثلية الكريهة.
لا، وألف لا، لا يمكن قبول مثل هذه الحالة حتى لو أنى تعاطفت تمام التعاطف مع كل الشخصيات التاليات. ستظل منى غريبة الأطوار، شخص بشع فى نظري ولا تستحق التفاتة....!!
هذا بالنسبة لمساوىء الرواية والتي للأسف أجبرتنى على عدم تقييم الرواية بأكثر من نجمة واحدة.
أما المحاسن، فكثيرة بالطبع ابتداء باللغة العربية الفصيحة مع بعض العبارات العامية التي كانَتْ ضرورية لتناسب المُناخ.
ثم الفكرة الأصلية ألا وهي فلسفة الحُزن، هل الحزن مخلوق كي نتغلب عليه قسرًا أم أنه مخلوق كي نعيشه ونخوضه لآخره حتى يغيرنا بما يصلحنا؟
نادية، القدرة الإلهية على امتصاص الحزن من الجميع، فهل كانَتْ نعمة أم نقمة حرمت من امتصت منها الحزن من الاحتجاج والثورة على أوضاعها؟
بالطبع هي الأمر الثاني. ولكن السؤال الموجه للكاتبة، أكان ينبغي لجيلان أن تثور بالانتحار مثلا؟ هذه هي الحالة التي أستغربها، فنادية استطاعَتْ أن تمنعها من الانتحار وهو فعلا أمر محمود لا أكاد أتخيل وضعها لو لم تكن نادية هنالك.
من جانب آخر، تميزت الكاتبة بقدرة عالية على أن تستغرق فى تفاصيل كل شخصية حد النخاع وتجعلنا نتفهم دوافعهنَّ:
1- نيهال
2- جيجي
3- جيلان
4- فتاة الاستقبال
5- أم لوسي
6- فَلَك
7- ياسمين
8- زينب
9- نادية
بالطبع لا أضمُّ إليهنَّ مُنى لأني لا أقتنع بأنَّ لديها أي مشكلة، اللهم إلا أنها تبتغي الفجور ووالداها أرادَا حمايتها. والحمدلله أن لم تعثر على العشيقة عندمَا ذهبت للإسكندرية. هذه رحمة من الله رجوت لو تتفهمها. من ناحية أخرى اقشعر بدني حينما تخيلتها وهي تنظر لأجساد النسوة بنظرة اشتهاء. يا إلهي، لكم هو أمر مقزز!
تفاعلتُ كثيرًا مع الباقيات، خاصةً نيهال، بائعة الهوَى التي انحدر بها الوضع حتى صارَتْ هكذا، مع ذلك، فهي مثقفة، تريدُ أنْ تعرف وتتطهر. خشيتها الدائمة من الموت بدون غُسل، أعتقد أنُّهُ معناه بذرة ضمير ما زالت ساكنة. أعتقد بموت نادية ستستطيع أن تحتج على وضعها ولا تهادنه بعد الآن.
كذلك الأمر بالنسبة لجيجي، والتي بالطبع كُنتُ أشمئزُّ من حكايتها وذلك حتى استوعبَتْ حقارة ما تفعله وبدأت تتفهم خطورة وضعها مع زوجها الذي باتَ قويًّا وسيحرمها من أطفالها. فرحتُ أنها أخيرًا ستنظر لحياتها بمنظور مختلف، وأشكر نادية على ذلك. الباشا لا يُحبُّ أحدًا، لو أحبها حقًا، لتزوجها أو على الأقل لما لوثها.
جيلان، هذه المسكينة التي ترتدي نظاراتها كي تنظر فقط إلى وجه الزبونات ثم تخلعها كي تنفصل عن الوجود، فالفعل شعرت بخجلها وحرجها، وحزنتُ كثيرًا لسخرية الجميع منها ومن أحلامها الصغيرة، ولكن أشكر نادية أنها منعتها من الانتحار وبهذا سينبغي على هذه الصغيرة أن تعيد ترتيب حياتها. ما زالت الحياة أمامها، ستتمكن من النجاة.
فَلَك، التي كِدتُ أبكي عليها، ولكنها فى نظري استحقَّتْ، فليس معنَى القوة ألا تتزوَّجَ، بالفعل آذاها أبوها الذي ربَّاها على ما يخالف الواقع حتى باتَتْ بلا هوية، راقصة على السلالم لم تطل لا سماء ولا أرض. أجل، لا يوجد أي شىء يشين فى أن تتأدب الفتاة (والرجل) فى علاقاتهما ببعضهما البعض. لا أقول أن يجعلوا الآخرين يتدخلون فيما لا يعنيهم، ولكن أن يتقوا الله فى أفعالهم!
ياسمين، وحكايتها التي أعتقدُ أن نورا ناجي تستحق جائزة عنها، بيننا الكثيرات من أشباههن الآن وقد عجَّتْ المنطقة العربية بالصراعات وبِتنَ بناتهنَّ الفضليات لاجئات على الدول المُحيطة. أين ذهب الوالد؟ مؤكد ماتَ، وتركَ ابنتين كالأقمار وأمهما زهرة حتى تهاوت الأقمار وذبلت الزهرة. كان الله فى عون الأم. أشكر نادية لأنها دفعتها للبكاء وتفجير الشحنة الكامنة بداخلها. لولاها، لجُنَّتْ الفتاة.
أم لوسي الجميلة، والتي أيضا بكيتُ وأنا أقرأ قصتها، هذه المسكينة التي ذاقَتْ طعم الفرح بعدَ أعوام طويلة من الغم والحزن، أحببتها وأحببت زوجها، وأحببت صغيرتهما وانقبض قلبي تمامًا حينما مرضَتْ. والسؤال هو ماذا كان سيحدث لو أن هذه الصغيرة ماتت؟ رُبما هنا أخطأت نادية فى التدخل فى القدر، ولا أعرف ما الذي يمكن أن يحدث بعد ذلك.
زينب، وأخيرا بها اكتملت دائرة الرواية التي بدأت بمشهدها وهي عروس فى سرد جيجي، التي كانت تحسدها حسدًا شديدًا بينما فى نهاية الرواية علمنَا طبيعة زينب، هذه العروس المغلوبة على أمرها، التي لم يحبها أحد سوَى عليَّ. أعجبتني حكايتها ونهاية هذه الحكاية، فمع انتهاء القدرة على امتصاص الحزن، بزغ الاحتجاج والتمرد. مع زينب، عرفنا أن الحزن ليس دائمًا أمرًا بائسًا، ولكنه أحيانًا يُنجِّي من المهالك. من أجمل العبارات هي العبارة الأخيرة للرواية "طلقني يا باشا".
رواية غريبة، وليست اعتيادية، لولا بعض الأفكار التي اعتبرتها مسمومة، لأعطيتها النجوم الخمسة كلها.
أم القرى وفتور الحضارة الإسلامية
كتاب مختلف عمَّا قرأتُهُ من قبل،
استطاعَ أن يحفز رأسي على التفكير مع هؤلاء العلماء المحتارين حول السبب الرئيسي لتخلف المسلمين وحضارتهم فى مواجهة الحضارة الغربية،
ولم يكن ساذجًا بقصر الأسباب على فئة واحدة وإنما أكَّدَ فى مواضع شتَى على تضافر عدة فئات من الأسباب على تفاقم هذه الأزمة الهائلة،
لم يرجح الأسباب الدينية وحدها أو الأسباب السياسية أو الأسباب الأخلاقية، وإنما الثلاثة سويًا بما يؤيد تفاعل هذه الفئات وتأثيرها المتبادل على بعضها البعض.
لأفكار الكتاب ترتيب منطقي يبدأ بكيفية لقاء العلماء المسلمين من مناحي بلاد المسلمين المتعددة،
ثم تنظيم الاجتماعات وكيفية اختيار الرئيس،
ثم البدء فى الجلسات،
ثم تلخيص ما توصلت إليه الجلسات،
ثم تلخيص آخر من الشيخ الفراتي (الكواكبي)، مع إضافة أسباب أخرى يراهَا وحده،
ثمَّ انبثاق التنظيم الإداري لمؤسسة أم القرى التي ستتكفل بتطبيق الحلول التي توصلت إليها الجلسات،
وقد أوردها الكواكبي تمامًا كأي عقدٍ على هيئة بنودٍ وأحكامٍ، ثم لم ينسَ التأكيد على سلمية المؤسسة علمًا بخطورتها فى سياقهم المدجج بالاستبداد والمؤامرات والدسائس، وأنها تتنافى مع كل عنفٍ.
ثم لم ينتهِ الكتاب إلا بعدَ وصول الفراتي رسالة من الحكيم الهندي العالم، وقد استشار "سياسيًا" مخضرمًا، وهو أحد أمراء أمته، فى ما توصلت إليه الجلسات.
فى الحوار النهائي ذاك بالإضافة إلى رأي سياسي قادر على تقييم حُكم العثمانيين ومدَى تطبيقهم للدين فى السلطنة، إبداء من الكواكبي لأهم الانتقادات المُحتمل توجهيها لكتابه وسجلات الجلسات ثم تفنيد كل انتقاد على حدَا على لسان هذا الأمير الهندي الغيُّور على النهضة الإسلامية، المراعي لصعوبة ما دبره الشيخ الفراتي من جمع العلماء لمعرفة أسباب علة دينهم وحضارتهم.
كتاب كامل مُتكامل، يعيبه فحسب إيمانه الشديد فى قدرة العرب على أن يرجعوا النهضة الإسلامية بدلا من الترك، وإن كان ذلك مفهومًا بالنظر إلى سياق الكواكبي وكراهيته للعثمانيين خصوصا عبد الحميد الثاني، بالإضافة إلى فقر وشظف عيش العرب فى الجزيرة آنذاك ولم يكونوا قد اكتشفوا بعد النفط وبنوا حضارتهم التي أراها أبعد ما تكون عن الإسلام.
عبد الرحمن الكواكبي طفرة، ولن يتكرر إلا أن يشاء الله.
كيغار، والغرق فى البئر من أجل الحياة!
هذه هي الرواية الثانية التي يتسنَّى لي قراءتها لمُنَى سلامة،
ومما فهمته من مقدمتها أنَّها أولى رواياتها الورقية، فهنيئًا لها.
أسلوبها اللغوي فى بعض الأحيان أشعر به شديد البساطة، مقارنة بأسلوبها فى رواية "عناق برائحة الورق"، ولكن سرعان ما تثبتني بعبارة أو جملة مليئة بالشعر خصوصا فى وصف واحة سيوة أو فى وصف محبة "وعد" لرؤوف!
حسنًا، لا أستطيع القول أنَّ الرواية أثارت اي نوع من الانتقاد بداخلي، عدَا بالطبع أني على علم بأن الكاتبة منتقبة، ولهذا كان بديهيًا ان تزين النقاب فى أعين القراء، ولكني لستُ منتقبة ومكتفية بالحجاب المحتشم غير المشف ولا الواصف، ولا أرى أي داع للنقاب أو لإخفاء الوجه عن الناس!
ولكن هذا اختلاف لا يمكن اعتباره انتقادًا أدبيًا وإنما اختلافًا فى وجهات النظر لا يفسد للود قضية،
حزنت بشكل غير موصوف أن دُنيا انتحرت ولم أرَ أي مبرر لهذا، فالفتاة ضحية طيلة عمرها، ولا أظن أن موتها كافرةً له أي مغزَى، كان يمكن جدًا أن تموت وحدها بالسكتة القلبية من كثرة خوفها من الخروج من السجن والعيش وسط حياة لم تعد تتآلف معها. إن السكتة القلبية ليس لها سبب ومنتشرة وكانت ستؤثر فى وعد أيضا، خصوصا أنها كانت تنتظرها بشق الأنفس لتخرج لتؤانسها فى وحدتها!
أحببتُ جدًا حل لغز بئر كيغار والحورية، فقد ظننت لبعض الوقت أن الرواية فانتازيا وتستخدم هذه الآليات طبيعيًا،
لكن فرحت من أن الأمر كان شيئًا من الذهان الذي كان نتيجة طبيعية لما قاسته الفتاة!
تذكرني فكرة الرواية قليلًا بقصة كورية سمعتها فى مسلسل درامي بعنوان "لا بأس ألا تكون بخير"، كانت عن فتَى أرادَ ألا يتألم ابدًا، وحصل على ما أراد من خلال عقد مع جنية/عفريت، ولكنه لم يشعر بأي سعادة، حتى جاء موعد حصد الجنية لروحه لإتمام العقد، فلامها أنه لم يكن سعيدًا، فأجابته أن لولا الألم الذي لم يعد يريده ذاك، فالسعادة لا يكون لها طعمًا!
هكذا وعد لن تستشعر يومًا سعادتها إلا بذكرياتها التي شكلَّت هويتها وجعلتها على ما صارَتْ عليه!
انتهت الرواية نهاية مرضية جدًا، خصوصا أني لم أكن سعيدة أبدًا بفكرة أن تتخلى عن حلم كلية الطب من أجل الاكتفاء بالزواج فى الواحة وتعليم الفتيات الرسم، فهي لم تتعلم كل هذه السنوات من أجل هذا الأمر!
استخدامها لمال دُنيا فى الخير، اصطحابها لأم مرزوق لتحيا معها، إرسالها لدفترها لأبيها الذي عرف مقدار الجرم الذي ارتكبه فى حقها، كلها أمور رائعة!
لم يكن سمير يليق بها يومًا، وإن لم ألمها أبدًا على إطلاعه على أسرارها له، إنها لم تخطىء، لكن للأسف الرحماء قليلون فى هذا العصر!
أتمنَّى أن تكون هايدي وأبويها سعداء الآن، ولو أني متأكدة أن حياة هذه الفتاة جحيمًا بشكل أو بآخر!
أحببتُ كل مشاهد الواحة والمعلومات عنها، والتي سُردت بصورة تلقائية عفوية محببة للنفس، كما أن مشاهد الطعام جعلتني أتضور جوعًا!
أتمنَّى الذهاب يومًا للجنة المفقودة، والالتقاء بأناس طيبي القلب والانتعاش بالطبيعة الغنَّاء،
أشكرك مُنى على الرواية، فقد كانت جرعة مكثفة من الأمل برحمة الله عز وجل!
وبالفعل هي واقعية لكن ليس بصورة مقيتة، فقد تألمت لمشاهد الرواية فى "حِكر أبو دومة"، وتنمر الفتيات بها، واضطرار زياد للابتعاد دون العودة -ولو أني ألومه على تعشيم الأم وابنتها هكذا وتركهما بلا ممهدات-، ومشاهد السجن كانت قاسية ولكن مُحتملة ولله الحمد بتسخير الله للفتاة من يعاونونها على قضاء هذه الأيام العصيبة!
رواية جميلة ولم أندم علي قراءتها أبدًا،
شكرًا لكِ شكرًا جزيلا وبإذن الله لن تكون الرواية الأخيرة التي أقرأها لكِ.... :>
عائد إلى حيفا، عائد أيها الوطن الكريم!
هذه هي المرة الرابعة التي أقرأ لغسان كنفاني،
فقد قرأت قبلا رجال فى الشمس وأم سعد وجسر إلى الأبد، وها هي "عائد إلى حيفا".
فى نوفيلا لا تكادُ تتجاوز السبعين صفحة، بسط لنَا غسان سؤال هو الأهم على الإطلاق: "ما هو الوطن؟ وما هي أفضل السبل لاستعادته إذا ما انتُهكَ سفاحًا؟"
فى الوقت الذي كانَ خالد -ابن سعيد- يرغبُ فى الانضمام إلى فرقة المقاومة والفدائيين لفهمه أنَّ الوطن هو المكان الذي يحق له العيش فيه وأن استرداده لا يكون بنبش الماضى وإنما النظر للمستقبل وهدم ما تأسس، فكانَ سعيد وصفية ومثلهما فارس لا يفكران سوَى فى النظر إلى مقتنيات الماضى، وهذا الحنين الأجوف لأشياء لم تعد موجودة.
بين منظور واقعي يجسده خالد ورفاقه وكذلك الرجل الذي سكن بيتَ فارس محتفظًا بصورة أخيه بدر الشهيد، وبين منظور مثالي جسده سعيد وصفية وفارس، كانت نوفيلا "عائد إلى حيفا".
ربما أخطأ سعيد وصفية حينما نسيا ابنهما ولم يستطيعا أن يأخذاه معهما إلى المنفَى، ولكن هذا لا يبرر خطأ هذا الصغير الذي هويته هي "قضية" هو من يشكلها المفترض على أسس الحق والعدل،
جميلة عبارة غسان على لسان سعد أن الصهاينة يحبون دومًا استخدام لفظة "الخطأ يبرر الخطأ" لتبرير وجودهم على أرض ليست لهم؛ ثم يقولون "الخطأ لا ينبغي أن يبرر الخطأ" حتى يرفضوا مقاومة الفلسطينيين الذين يريدون استرجاع وطنهم بالقوة.
خلدون، والسؤال هو متَى سيعود لأحضانِ الحق، سؤال فى غاية الأهمية. وأعتقد أنَّ ضميره العربي الكائن بصدره، وهذه المحاضرة القوية التي استطاع سعيد أن يلقنها إياه، سيجعلانه يعيد التفكير فى كل شىء. فحجته لم تكن قائمة، ومع أول انتقاد لها على لسان صفية حينما قالت "نحن أخطأنا، ولكن هل يبرر ذلك ما تفعل؟" فقد انهارت الحجة على بكرة أبيها.
لم يكن ينبغي للاثنين أن يعودا إلى حيفا سوى على رؤوس جنود آتين للحرب ولاسترداد منزلهما وخلدون بالقوة والعنف.
ما أخذ منهما لم يكن هينًا، ولا يعيده نظرة أو زيارة، وإنما معركة حامية الوطيس.
نوفيلا كعادة غسان تطرح أسئلة أكثر مما تجيبهما، تغير منظورات أكثر مما تثبتها.
الإنسان قضية، فلينظر كل إنسان إلى قضيته ويتحراها بصدق وحق قبل كل شىء.