** spoiler alert **
هذه هي المرة الأولى التي أقرأ فيها للمستشار أشرف العشماوي،
ولا أعتقد البتة أنها ستكون الأخيرة.
تدور الرواية فى أواخر أعوام حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، حينما كان يتم توظيف الفتنة الطائفية من أجل رفع مستوى شرعية النظام السياسي.
الرواية تحدث فى قرية بصعيد مصر، أغلبها أقباط يحاولون العيش بتآلف مع المسلمين، ولكن نيران الفتنة توريها الحكومة بكل ما تستطيع.
هناك شيخ غير إنسان ولا نسلم أسموه رجب وأولوه خطابة المسجد الموجود بين عدة كنائس، لا يفعل سوى تذكية هذه النيران بفتاو ما أنزل الله بها سلطان، تكفّر المسيحيين وتستبيح نساءهم وأراضيهم وارواحهم. ومن ناحية أخرى، الأب اسطفانوس الذي ليس له سوى حديث أجوف عن التسامح والتحمل، لا يملك أن يعيد الحقوق لرعاياه الذين يموتون وكذلك للمسلمين الذين يجودون بأرواحهم من أجل هؤلاء المسيحيين.
هناك رمسيس الذي بمساعدة ضابط أمن الدولة الذي لم يكن له محل من الإعراب بالنسبة لنادر فى البداية، واللذين كانا يتآزران من أجل إشاعة الفتن بين المسلمين والمسيحيين ثم تقييد التهم ضد مجاهيل، أو ضد "خليفة" الذي هو كائن وهمي ابتدعوه ليلصقوا به جميع هذه الآثام وهو برىء منها.
وفى النهاية، تتجهز القرية من أجل زيارة المسئولين بعدما تغير اسمها على خلفية الصراعات "المختلقة" إلى قرية "السلام" بدل "الطائعة" وكأن السلطة السياسية آتية لإحلال السلام على المنطقة وهي التي فى الحقيقة صنعت الفجوة.
نادر وسؤاله الأزلى حول مفاهيم العدالة. هل فعلا نحت نحات تمثال العدالة كامرأة معصوبة العينين تحمل ميزانا، من أطل أن يؤكد غياب العدل وأن القانون يظلم الجميع بحجة عماه، أم بالفعل هو معصوب العينين لكى لا تتدخل أهواءه فى الحكم؟ سؤال مهم. ولقد سعدت أنه تخلى أخيرا عن خطيبته المتطلعة والتي لا تفهم فى هذه المهنة العزيزة سوى المصالح قصيرة الأجل. مؤكد بعدما تبرأ العديل رغم أنه ملوث بالذنوب، ستتجرأ أكثر على نادر، وتعذبه بطلباتها التي لا تنتهي دونما تفهم أن ما ترغب فيه يدخل فى نطاق الرشاوى والمحسوبيات.
هدى، هذه المسكينة التي لم ترغب سوى فى الحياة. لا أعتقد أن أيا ممن التقت بهم -سوى رزق- كان مؤمنا أبدا. وبالفعل أعترف -وأنا المسلمة- أن هناك مسلمين لم يدخل الإسلام قلوبهم كما زوج أمها المغتصب لربيبته، أو خضر الذي يذيقها ألوان العذاب على ذنب ليس بيدها. ما لها هي وهو العقيم العاجز؟
أدمعت عيناي عند نهايتها، هذه المرأة تحملت فوق ما تستطيع، ولا أظنه صعبا إجراء اختبار دي أن آيه ليكتشفوا أن الطفلين لا يقربان أبدا لهذا الشيطان المدعى خضر.
رحل نادر إل. أسوان وقد تعلم الكثير عن علاقة السياسة بالقضاء. فى العهد البائد لم يكن القضاء سوى تابع للسياسة، تجره فى جميع الانحرافات حتى لم يعد هناك فرصة لإصلاحه ولا تطهيره. ورحلت هدى، أو نور، بعدما أوضحت أن هناك مسلمين بلا إسلام وكنيسة بلا مسيحية. لقد استجابت لها العذراء حقا بقبض روحها وإعفائها من هذا الهوان. لم يتبرع لها مسلم ولا مسيحي بدم وتركوها تنزف حتى خارت قواها وأفضت روحها إلى خالقها شهيدة على الحق الذي لم يؤتمت عليه لا الشيخ رجب ولا الأب اسطفانوس. أسموا بيتها بيت القبطية، يتبركون بها جميعا بلا سبب، ثم حطموا البيت على رأسها وجعلوها لعنة أيضا بلا سبب.
رواية ممتازة وأسلوب رشيق بليغ، لا هو بالمعقد ولا التافه، وهناك عدة تعبيرات بلاغية رأيتها قوية فى سداد. شكرا أشرف العشماوى على الوجبة الدسمة.

No comments:
Post a Comment