للأسف رغم ما تنطوى عليه الرواية من معان نبيلة،
وحكمة سأفصل قليلا فى ذكر مآثرها،
إلا أن هذا كله لا ينفي أن الشخصية الأولى التى بدأت بها الرواية، الا وهي منى المسيحية، كانت غير مفهومة. هل الكاتبة تبرر المثلية وتعتبر الفتاة مسكينة لأن والديهما يحرمانها من محبوبتها؟
إذا كان الأمر كذلك، فعذرا، هذا غير صحيح، والوالدان فى هذه الحكاية بالذات كانا على حق فى رغبتهما لأن تستغفر الله لأن ما تفعله هو أمر يخرج عن نطاق كل الأديان وليس له من جزاء سوى جهنم.
بل وجعلت الكاتبة بمهارة، والد منى ينقلب إلى شخص شرير، مناقض لنفسه، سافر وسمح لابنته الجديدة بالتعري والتقي بمذيعة داعمة للشذوذ الجنسي، بل وجعلتها فى مقدمة نماذج أنثوية هن حقا بائسات ومثيرات للأسف والشفقة،
كل هذا فقط كي تدفع القارىء للتعاطف مع هذه الشخصية المثلية الكريهة.
لا، وألف لا، لا يمكن قبول مثل هذه الحالة حتى لو أنى تعاطفت تمام التعاطف مع كل الشخصيات التاليات. ستظل منى غريبة الأطوار، شخص بشع فى نظري ولا تستحق التفاتة....!!
هذا بالنسبة لمساوىء الرواية والتي للأسف أجبرتنى على عدم تقييم الرواية بأكثر من نجمة واحدة.
أما المحاسن، فكثيرة بالطبع ابتداء باللغة العربية الفصيحة مع بعض العبارات العامية التي كانَتْ ضرورية لتناسب المُناخ.
ثم الفكرة الأصلية ألا وهي فلسفة الحُزن، هل الحزن مخلوق كي نتغلب عليه قسرًا أم أنه مخلوق كي نعيشه ونخوضه لآخره حتى يغيرنا بما يصلحنا؟
نادية، القدرة الإلهية على امتصاص الحزن من الجميع، فهل كانَتْ نعمة أم نقمة حرمت من امتصت منها الحزن من الاحتجاج والثورة على أوضاعها؟
بالطبع هي الأمر الثاني. ولكن السؤال الموجه للكاتبة، أكان ينبغي لجيلان أن تثور بالانتحار مثلا؟ هذه هي الحالة التي أستغربها، فنادية استطاعَتْ أن تمنعها من الانتحار وهو فعلا أمر محمود لا أكاد أتخيل وضعها لو لم تكن نادية هنالك.
من جانب آخر، تميزت الكاتبة بقدرة عالية على أن تستغرق فى تفاصيل كل شخصية حد النخاع وتجعلنا نتفهم دوافعهنَّ:
1- نيهال
2- جيجي
3- جيلان
4- فتاة الاستقبال
5- أم لوسي
6- فَلَك
7- ياسمين
8- زينب
9- نادية
بالطبع لا أضمُّ إليهنَّ مُنى لأني لا أقتنع بأنَّ لديها أي مشكلة، اللهم إلا أنها تبتغي الفجور ووالداها أرادَا حمايتها. والحمدلله أن لم تعثر على العشيقة عندمَا ذهبت للإسكندرية. هذه رحمة من الله رجوت لو تتفهمها. من ناحية أخرى اقشعر بدني حينما تخيلتها وهي تنظر لأجساد النسوة بنظرة اشتهاء. يا إلهي، لكم هو أمر مقزز!
تفاعلتُ كثيرًا مع الباقيات، خاصةً نيهال، بائعة الهوَى التي انحدر بها الوضع حتى صارَتْ هكذا، مع ذلك، فهي مثقفة، تريدُ أنْ تعرف وتتطهر. خشيتها الدائمة من الموت بدون غُسل، أعتقد أنُّهُ معناه بذرة ضمير ما زالت ساكنة. أعتقد بموت نادية ستستطيع أن تحتج على وضعها ولا تهادنه بعد الآن.
كذلك الأمر بالنسبة لجيجي، والتي بالطبع كُنتُ أشمئزُّ من حكايتها وذلك حتى استوعبَتْ حقارة ما تفعله وبدأت تتفهم خطورة وضعها مع زوجها الذي باتَ قويًّا وسيحرمها من أطفالها. فرحتُ أنها أخيرًا ستنظر لحياتها بمنظور مختلف، وأشكر نادية على ذلك. الباشا لا يُحبُّ أحدًا، لو أحبها حقًا، لتزوجها أو على الأقل لما لوثها.
جيلان، هذه المسكينة التي ترتدي نظاراتها كي تنظر فقط إلى وجه الزبونات ثم تخلعها كي تنفصل عن الوجود، فالفعل شعرت بخجلها وحرجها، وحزنتُ كثيرًا لسخرية الجميع منها ومن أحلامها الصغيرة، ولكن أشكر نادية أنها منعتها من الانتحار وبهذا سينبغي على هذه الصغيرة أن تعيد ترتيب حياتها. ما زالت الحياة أمامها، ستتمكن من النجاة.
فَلَك، التي كِدتُ أبكي عليها، ولكنها فى نظري استحقَّتْ، فليس معنَى القوة ألا تتزوَّجَ، بالفعل آذاها أبوها الذي ربَّاها على ما يخالف الواقع حتى باتَتْ بلا هوية، راقصة على السلالم لم تطل لا سماء ولا أرض. أجل، لا يوجد أي شىء يشين فى أن تتأدب الفتاة (والرجل) فى علاقاتهما ببعضهما البعض. لا أقول أن يجعلوا الآخرين يتدخلون فيما لا يعنيهم، ولكن أن يتقوا الله فى أفعالهم!
ياسمين، وحكايتها التي أعتقدُ أن نورا ناجي تستحق جائزة عنها، بيننا الكثيرات من أشباههن الآن وقد عجَّتْ المنطقة العربية بالصراعات وبِتنَ بناتهنَّ الفضليات لاجئات على الدول المُحيطة. أين ذهب الوالد؟ مؤكد ماتَ، وتركَ ابنتين كالأقمار وأمهما زهرة حتى تهاوت الأقمار وذبلت الزهرة. كان الله فى عون الأم. أشكر نادية لأنها دفعتها للبكاء وتفجير الشحنة الكامنة بداخلها. لولاها، لجُنَّتْ الفتاة.
أم لوسي الجميلة، والتي أيضا بكيتُ وأنا أقرأ قصتها، هذه المسكينة التي ذاقَتْ طعم الفرح بعدَ أعوام طويلة من الغم والحزن، أحببتها وأحببت زوجها، وأحببت صغيرتهما وانقبض قلبي تمامًا حينما مرضَتْ. والسؤال هو ماذا كان سيحدث لو أن هذه الصغيرة ماتت؟ رُبما هنا أخطأت نادية فى التدخل فى القدر، ولا أعرف ما الذي يمكن أن يحدث بعد ذلك.
زينب، وأخيرا بها اكتملت دائرة الرواية التي بدأت بمشهدها وهي عروس فى سرد جيجي، التي كانت تحسدها حسدًا شديدًا بينما فى نهاية الرواية علمنَا طبيعة زينب، هذه العروس المغلوبة على أمرها، التي لم يحبها أحد سوَى عليَّ. أعجبتني حكايتها ونهاية هذه الحكاية، فمع انتهاء القدرة على امتصاص الحزن، بزغ الاحتجاج والتمرد. مع زينب، عرفنا أن الحزن ليس دائمًا أمرًا بائسًا، ولكنه أحيانًا يُنجِّي من المهالك. من أجمل العبارات هي العبارة الأخيرة للرواية "طلقني يا باشا".
رواية غريبة، وليست اعتيادية، لولا بعض الأفكار التي اعتبرتها مسمومة، لأعطيتها النجوم الخمسة كلها.
No comments:
Post a Comment