هذه هي المرة الرابعة التي أقرأ لغسان كنفاني،
فقد قرأت قبلا رجال فى الشمس وأم سعد وجسر إلى الأبد، وها هي "عائد إلى حيفا".
فى نوفيلا لا تكادُ تتجاوز السبعين صفحة، بسط لنَا غسان سؤال هو الأهم على الإطلاق: "ما هو الوطن؟ وما هي أفضل السبل لاستعادته إذا ما انتُهكَ سفاحًا؟"
فى الوقت الذي كانَ خالد -ابن سعيد- يرغبُ فى الانضمام إلى فرقة المقاومة والفدائيين لفهمه أنَّ الوطن هو المكان الذي يحق له العيش فيه وأن استرداده لا يكون بنبش الماضى وإنما النظر للمستقبل وهدم ما تأسس، فكانَ سعيد وصفية ومثلهما فارس لا يفكران سوَى فى النظر إلى مقتنيات الماضى، وهذا الحنين الأجوف لأشياء لم تعد موجودة.
بين منظور واقعي يجسده خالد ورفاقه وكذلك الرجل الذي سكن بيتَ فارس محتفظًا بصورة أخيه بدر الشهيد، وبين منظور مثالي جسده سعيد وصفية وفارس، كانت نوفيلا "عائد إلى حيفا".
ربما أخطأ سعيد وصفية حينما نسيا ابنهما ولم يستطيعا أن يأخذاه معهما إلى المنفَى، ولكن هذا لا يبرر خطأ هذا الصغير الذي هويته هي "قضية" هو من يشكلها المفترض على أسس الحق والعدل،
جميلة عبارة غسان على لسان سعد أن الصهاينة يحبون دومًا استخدام لفظة "الخطأ يبرر الخطأ" لتبرير وجودهم على أرض ليست لهم؛ ثم يقولون "الخطأ لا ينبغي أن يبرر الخطأ" حتى يرفضوا مقاومة الفلسطينيين الذين يريدون استرجاع وطنهم بالقوة.
خلدون، والسؤال هو متَى سيعود لأحضانِ الحق، سؤال فى غاية الأهمية. وأعتقد أنَّ ضميره العربي الكائن بصدره، وهذه المحاضرة القوية التي استطاع سعيد أن يلقنها إياه، سيجعلانه يعيد التفكير فى كل شىء. فحجته لم تكن قائمة، ومع أول انتقاد لها على لسان صفية حينما قالت "نحن أخطأنا، ولكن هل يبرر ذلك ما تفعل؟" فقد انهارت الحجة على بكرة أبيها.
لم يكن ينبغي للاثنين أن يعودا إلى حيفا سوى على رؤوس جنود آتين للحرب ولاسترداد منزلهما وخلدون بالقوة والعنف.
ما أخذ منهما لم يكن هينًا، ولا يعيده نظرة أو زيارة، وإنما معركة حامية الوطيس.
نوفيلا كعادة غسان تطرح أسئلة أكثر مما تجيبهما، تغير منظورات أكثر مما تثبتها.
الإنسان قضية، فلينظر كل إنسان إلى قضيته ويتحراها بصدق وحق قبل كل شىء.
No comments:
Post a Comment