Thursday, May 29, 2025

ناعومي وأخواتها وسؤال الهوية

 


رواية ناعومي وأخواتها،

بالمراجعة بعض الحرق،

.

.

لم تكن هذه الرواية هي أولَى مصادفاتي مع الباشمهندس هشام الخشن، بل كانَتْ الثانية آنذاك بعدمَا خُضتُ قبلها غمار روايته "حدثَ في برلين"، وبعدَها دلفت روايته "بالحبر الأزرق" التي بإذن الله أستطيع أن أكتب لها مراجعة أيضًا في القريب العاجل.

للأسف أيضًا مضَى وقت على قراءتي لها، لهذا سأحاول التعقيب على ما أتذكره بشدَّةٍ منها. فالرواية نفسية غير تاريخية وبذلك خرجَ المؤلف عن التصنيف الذي كُنتُ على وشك أن أصنفه به. على العكس مما سبق، فالرواية تناقشُ مرضًا غاية في الأهمية وهو الأشهر في الأفلام والمسلسلات وهو المرض الذي نسمِّيه "الانفصام في الشخصية" بينما اسمه الحقيقي "اضطراب الشخصية التفارقي".

طرحت الرواية السؤال الأهم في الطب النفسي، ما إذا كانَ من الممكن للطبيب أن ينخدِع بمريضته؟ عاشَ الطبيب -الذي للأسف لا أتذكر اسمه- شهورًا طويلة، بعدَ لقائه بنعيمة في المصحَّة النفسية التي زجَّ بها زوجُها إليها، يستمعُ إليها، وإلى الشخصيات الثلاث التي تسكُنُها: نعيمة ونعمات "تقريبًا" وناعومي. كل منهم ذات سِمْت معيَّن. كل منهم تحكي له حكاية عن هذه المرأة التي تبدو من خارجها شديدة الاتزان. نعرف من حكاياتهنَّ أنَّ نعيمة عانَتْ من حياة مريرة ابتداءً بأمِّها التي كانَتْ لا تفضلها البتَّة، وتنتقدُ كل سلوك من سلوكياتها، وأنها تعرضت لتجربة "الختان" المؤلمة، وأنها لم تكن تستطيع التوفيق بينَ صفات أمِّها الأرستقراطية -المتناقضة- وبينَ عائلة أبيها "البلدي".

عششت هذه الحالة في رأسِ طبيبها لفترة طويلة، حتَى لم يعد يستطيع استخراجها قطِّ. كل يوم هو معها في شأنٍ عظيم. وقد نجحَ هشام الخشن في الغوص في أسرارها.

وحتى مع كلمة النهاية، وبعدمَا قرر أنها امرأة مريضة كانَـْت بحق تستحق العلاج، يجدُ أنَّ القدر قد انتقمَ لها من زوجِها وأخيها بذات الانتقام الذي سبق للشخصيات بداخلها أن توحي إليه به. فيبقَى السؤال: أكانَتْ نعيمة مريضة حقا؟ وهو لم تكن مريضة، فكيف للطبيب ألا يكتشف ذاك؟ ولو كانَتْ مريضة، كيف للقدر أن يحالفها لهذه الدرجة؟

رواية ملأت رأسي بالأسئلة، والشجن، والاقتناع بأنَّ أيًّا ما كانَتْ نعيمة مريضة أم غير مريضة، فهي تستأهل أن تنتقمَ ممن غبنَ حقها. وإن كنت بعد قراءتها قد شعرت أنَّ هشام الخشن لديه تمكن أكبر في كتابة الروايات التاريخية الرومانسية عن الروايات النفسية ذات الألغاز والإثارة.

التقييم: 3.5/5

 

بنسيون عجب هانم، وانتشار الفكرة

 


رواية بنسيون عجب هانم،

بالمراجعة بعض الحرق،

.

.

هذه ليست الرواية الأولى التي تسنَّتْ لي قراءتها للمؤلفة العبقرية، مُنَى سلامَة، بل هي تقريبًا الرواية الرابعة بعدَ "عناق برائحة الورق"، و"كيغار" و"ثاني أكسيد الحب" ونصف رواية "القصر الأسود". حرصت على قراءتها بعدَ صدورها بقليلٍ إذ جذبني العنوان وأردت الغوص في حكاية أخرى من حكايات مُنَى.

للأسف تساقطت عن ذاكرتي الكثير من أحداث الرواية ولكن تبقَى الغاية النهائية راسخة في رأسي.

تستطيع مُنَى أن تُدخل القارىء في حالة من التشوق منذ البداية. هنَا كانَتْ شخصية "عيناء" التي هربَتْ من المصحة النفسية لتتزوَّجَ من "جمال" الذي وعدَها بالهرب ثمَّ الزواج والانعتاق من كراهية أبيها الغير مبررة لها. وبالفعل تنجح الخُطَّة ولكن قبلمَا يُتِمُّ المأذون الزيجة، تنهار البناية في الزلزال الأشهر، زلزال 1992 بالقاهرة. من الناحية الأخرى، فهناك الصحفية، أنهار التي تبتغي أنْ تُثبت ذاتها في وظيفتها وتبحث عن سبق صحفي في خضم أحداث الزلزال المُحتدمة، حيث تلتقي بهذا المجهول الناجي من العقار المُنهار. رجل شاب، يتذكر أنَّ في قلبه حبيبة ما، يُعاني من متلازمة تُعجزه عن رؤية ملامح الوجوه، فيراهم جميعًا "عجينًا" على حدِّ وصف مُنَى.

تناقشُ الرواية مسألة "الفكرة الخبيثة"، التي تتواجد في كل مكانٍ وكل زمانٍ بفعل الأحداث الجسام كالزلازل. لقد تخصصت الرواية في الحديث عن بعض الزلازل التي ضرَبَتْ مصر في شتَى عصورها. كانَ هذا الناجي المجهول -اعذروني لا أتذكر اسمه البتَّة- كلمَا غفَا، يجده في عصر ستضرب مصر فيها موجة زلزال، حيثُ يحب امرأة ما تكون سببًا في دماره.

امتلأت الرواية بالرموز والمعاني، فما نراه دومًا ليس الحقيقة. لم تكن الحقيقة أنَّ والد عيناء شخص يكرهها بلا مبرر، ولكن لأن بداخلها شيطانًا أعمَى لا يمكن السيطرة عليه. منذ أنجبها، والمصائب تتنزَّلُ على رأسه بدون أن يفقه السبب وراء ذلك. لدَى مُنَّى بالطبع القدرة على وصف الفاخورة التي كانَ يعمل بها. وصل الأمر بعيناء بعدَ الكثير من النبذ أن تؤمنَ أنَّ بداخلها إلهًا يُوحي إليها أنْ تعاقب جميع المتحرشين ببتر الأيادي. بالطبع لديها كل الحقِّ، ولكنها نسيت أن هناك قانونًا يحول دون تحويل المجتمع البشري إلى غابة تخضع معايير الثواب والعقاب للأهواء والنفوس.

من جهة أخرى، فما زالت الرواية تستعرض عواقب التحرش التي تمحي الأمان من صدر المرأة بشخصية أنهار التي لم تستطع تجاوز ليلة عيد مولدها العاشر، حيث تحرَّشَ بها قريبها. ثم كانَـت الطامة الأكبر، هو أنَّ هذا القريب الحنون لم يعرف يومًا ما جنَاه، فقد كانَ تحت تأثير المخدرات، بحيث استحال أن يتذكر ما فعله. عاشَتْ أنهار جحيمًا أعوامًا وأعوام قبل أنْ تكتشف سُخف الحياة بأنها حتى لا تستطيع معاقبة الجاني الذي لا يتذكر ما فعله. شعور سخيف.

أحببت علاقة أنهار وهي تعينُ المجهول على البحث عن هويته، ثم هوية حبيبته، هذه العلاقة البريئة النقية في الرواية. ثمَّ وصوله لعيناء التي تقيم في بنسيون عجب هانم. عجب هانم، القطة الأسطورية القادرة على الغَزْلِ، والتي تجبرها سيدة البنسيون على البقاء في غرفتها لتصنع لها فستانًا برأسين، على أن تتخلص منها إذا أكملته. وهكذا تعيش عجب على الغزل نهارًا ثم نقض الغزل ثم إعادته. أعترف أنَّ حكاية عجب نفسها كانَتْ من العُسر بحيث أنا بحاجة لقراءتها أكثر من مرة. في هذه الجزئية تناقشُ مُنَى أيضًا مسألة السحر بالماء حيثُ أنَّ سيدة البنسيون تتعاون مع والد عيناء لصُنع سحر أسود باستخدام الفُخار والماء (لم تلفتني هذه الجزئية كثيرًا بصراحة). 

الفكرة وانتشار الفكرة، حيث يمكن لفكرة خبيثة أن تسعى للقبول المجتمعي بكل طاقتها.

ثم كانَـت النهاية بالنسبة إليَّ الأجمل على الإطلاق، والأغرب على الإطلاق، باكتشاف الهوية الحقيقية لهذا المجهول، ولأنهار ولعيناء. تحدَّتْ مُنَى نفسها وكتبت عن عالم المستقبل حيث التجارب الدائمة التي يدخلها البشر فهم الأفكار وتقلباتها. لكم أحببتُ النهاية. لا أعرف إذا كانَ يحقُّ لي عرضها أم لا، ولكن كتبتُها في دفتري لنفسي كي لا أنساها.

لمُنَى هذه القدرة على الكتابة في كل عصر وتشبع القارىء منه إشباعًا، سواء العصر الجليدي حيث الحديث عن القبائل الأوروبية التي لم نلتقيها يومًا، أو العصر الإسلامي أو حتى تسعينيات القرن العشرين، وأخيرًا المستقبل البعيد.

رواية مُختلفة كعهدنَا بمُنى، ملأى بالألغاز والرموز بحيث قراءة واحدة لها لا تكفي البتة... البتة.

مبارك لفوزها بجائزة القلم الذهبي وأتطلع لمشاهدتها كفيلم عمَّا قريب، خاصة جزئية عجب هانم.

التقييم: 4/5

الديناصور، والحب الذي انقرضَ..





رواية الديناصور لعمرو حسين:

ملحوظة: بالمراجعة حرق للأحداث نوعًا ما

.

.

صدرَتْ هذه الرواية عن دار دوِّن تقريبًا عام 2021، وقد انتقيتها بعدمَا سمعتُ عنها طيب الحديث. ثمَّ عرفتُ أنَّها ستتوافر في معرض القاهرة الدولي للكتاب بسعر ممتاز وهو 150 جنيهًا بدلا من سعرها الأصلي وهو 250، فوجدتُها فرصة لا تعوَّضُ للتعرف على روائي جديد.

على الرغم من عدد صفحاتها القليل نسبيًا وهو 220 صفحة والرواية من الحجم الصغير، فقد عشت معها حوالي الأسبوعين نتيجة مشاغلي الكثيرة. كُنت أتركها كبلسم في نهاية أيامي لكي أشعر بمشاعر إيجابية متَى قررت أخذ راحة.

تدور فكرة الرواية حولَ مُصطفى كمال، هذا العجوز السبعيني الذي كانَ مهندسًا معماريًا، بارعًا في كتابة عشرات الخطوط: النسخ والرقعة والثُلث وغيرها، قضَى أغلب سنوات عمره في الخليج حيث عمل قبل أن يقرر الرجوع لبلدِهِ وقد شاخ، ثم تموت زوجته ويهاجر ابنيه: ابنه لكندا وابنته لدُبي. وهكذا يعود لعقر داره بالمعادي وحيدًا، لا يملك سوَى ذاكرة قوية للماضي ومشتتة للحاضر، وشلة أصدقاء بنادي المعادي يلاعبهم الطاولة ويهزمونه. في لحظة جميلة، أوصاه صديقه وجدي بالكتابة، ومن هنا يبدأ فصل جديد في حياة كمال الهادئة الرتيبة.

على الجانب الآخر تستعرض الرواية شخصية منَّة صالح، هذه الشابة ذات العشرين ربيعًأ والتي حباها الله بالقبول لدرجة أن تكون صانعة محتوَى على وسائل التواصل الاجتماعي وتنجح نجاحًا باهرًا، بمساعدة صديق الطفولة، المخرج الصاعد الذي كانَ يعطي إخراج مقاطعها "التافهة" أولوية على خطواته في الإخراج.

ثلاثة شخصيات تبحر بنا الرواية في أغوارها بأسلوب المتكلم. فكل فصل يرويه لنا واحد منهم، حتى تكتمل الصورة لدينَا، لقصة حبٍّ قديمة عاشها الرجل العجوز ولم تكتمل، ولم يرغب في أن يتكرر خطأه من جديد مع هذا الثنائي الحبيب الذي يعاني فيه الشاب من الخوف من علاقته بحبيبته المتوترة.

تناقش الرواية الجسر المفقود بين الأجيال، وترينَا كيف أن كل جيل بحاجة للآخر. يحتاج الشباب لكبار السن ليرشدوهم للخُطى الصحيح إرشادًا اكتسبوه بفعل التجارب العديدة التي مرُّوا بها، بينما يحتاج كبار السن إلى الشباب كي يعلِّموهم أبجديات العالم الجديد التي تختلف من عصر لآخر. لا يمكن لأحد مهما كره التطورات التكنولوجية وعرف عيوبها العديدة أن ينعزل. الانعزال في عصرنا يعني الوحدة والشقاء.

عرضت الرواية هذه الفكرة بالإضافة إلى فكرة الحب الذي يضيع بسبب الخوف من الرفض. فعلا ينبغي أحيانًا أن نجازف بكل ما لدينا لكي لا نعود ونندم في وقت لا ينفع معه الندم. ولكن... ولكن تبقي لدي هذه الغصة من حكايات الحب التي يكتبها بعض المؤلفين عن عشقٍ هام به الفتاة والفتَى في عصر ولَّى ثم لا يُكتب لقصتهما التكلل بتاج الزواج، فيتزوَّجُ الرجل بأخري، تعيش تحت كنفه آمنة مطمئنة ولا تعرف أنَّها مخدوعة في زوجها الذي لا يزال يهب روحه لعشقه البائد. هذا ليس حبًا خالصًا في نظري، بل هي خيانة لزوجة تزوَّجَت زوجها وكلها نية طيبة في بناء عش هادىء كريم معه في حين أنه قرر اتخاذ الزواج منها كتضحية يواسي بها نفسه. للأسف لم تعد هذه الفكرة تبهرني قط.

للمؤلف أسلوب روائي رقيق حانٍ، بتشبيهات وديعة، ابتعدَ فيها بالكلية عن التعقيد الذي يجعل القارىء غير قادر على الانسجام. هناك العديد من المقتطفات توقفت لديها خاصة عندمَا وصف زياد مشاعره تجاه منة، أن بينهما خيطًا محدد المسافة لا يكاد يقصر أو يطول، أو عندمَا وصفَ مصطفى مشاعر الوحدة التي تعتريه. أيضًا الفصل الأول والثاني من الرواية حيث الكتابة من رؤية مصطفى لهذا العصر الذي اتسم بالسرعة وتشوَّهَتْ فيه المعالم الجميلة للمعادي وللحياة عمومًا، كانَ رائعًا لا سيمَّا علاقته بكامل الحلَّاق.

الأجداد نعمة، وأظني ذكرت لكم من قبل ما حركته الرواية من شجن في قلبي لوفاة جديَّ وجدتيَّ وأنا ما زلت صغيرة. لهذا حسدت "نادية" التي كتب لها الجدِّ هذه الرسالة ليشاركها سره وبذلك يخلق أواصر متينة بينهما. لم تعرض الرواية ردَّة فعلها على ما تلقته من الكلمات النقية الخلابة، ربما لن تفهمها الآن، ربما تتأثر قليلًا ثم تعود لحياتها. ولكن الأكيد أنها بعدمَا تخوض العديد من التجارب حيث تكتشف أن انبهارات الحياة ليست سوَى وهم، فلسوف ترجع أدبارها إلى الرسالة وتستشف هذا الحب الحقيقي النادر.

أعجبتني بالطبع الخطط التي رسمها زياد ومنة لمعرفة هوية المُرسل إليها، ولا لم أتوقعها بالطبع لأنَّ المؤلف لم يضع لنا الكثير من التلميحات. لهذا تلقيتها بابتسامة هادئة وإن كُنتُ أفكر في الزوجة الراحلة، فتعكر صفو رحلتي مع المشاعر لدَى هذا الجزء.

في العموم، نالت الرواية إعجابي بمشاعرها السامية، وقدرة الكاتب على أن يغمس قارئه في بحور الماضي حيث الجمال الهادىء القديم، ثم في بحور الحاضر حيث عصر السرعة. الرواية عبارة عن مقارنة بينَ قصتي حبٍّ في عصرين مختلفين وإن تشاركتا في ملامحهما. يبدو أن الإنسان هو ذاته مهمَا مرَّ عليه الدهر.

تقييمي: 4/5

  

دابليو: عندمَا يتحقق حلم المؤلفين

 




مسلسل دابليو: عالمان،

الحق أن هذا المسلسل الآية المثالية في الفانتازيا، قد استطاع أن يحصد اهتمامي منذ اليوم الأول بالسؤال الذي نطرحه، نحن المؤلفون، مرارًا في ضرب من العبثية:

'ماذا لو دبت الروح في شخصية روائية من رواياتنا'؟

كإنجي، ماذا لو أصبحت شيرين الغادي أو حمزة الحديني أو نيللي محمود أو عامر سلام أو غيرهم إنسانا حقيقيا من لحم ودم!

ماذا لو كان باستطاعتي أن أزلف من عالمهم، وأن أراهم إزاءي يعيشون ويتنفسون؟

الفكرة جنونية وبها عبثية غير طبيعية حينما شاهدتها مكتوبة. فالبطل هنا، كانج تشول لم يسعد عندما عرف أنه مجرد شخصية كارتونية، وكذلك أبو البطلة الذي هو كاتب السلسلة الروائية لم يسعد بمسألة أنه كتب عالمًا حقيقيًا وإنما تدور فكرة المسلسل حول صراعهما ورغبة الكاتب في قتل هذا المسخ الذي ابتدعه بينما البطل يصارع لكي يحيا وهو يصرخ أن ليس من حق المؤلف أن يقرر بدء كتابة شخصية ثم القضاء عليها..

كما أخبركم هي فكرة هزلية ومليئة بالأسئلة الفلسفية والخطرة إذا ما اعتبرناها إسقاط على علاقة الإنسان بربه... (ليس من حقك أيها الإله أن تتحكم في مصيرنا لمجرد إنك من خلقتنا من عدم).

لم يذكرها المسلسل صراحة لأكون صادقة، ولكن أحيانا أخذني تفكيري الفلسفي الذي لا أفارقه إلى تصور الحبكة بهذه الصورة والكارثة أني كنت أراها مطبقة جيدا آنذاك!

مع ذلك، وطالما أنهم لم يذكروا الأمر بهذا الاعتراض والفجاجة، آثرت الإبقاء على فكرتهم في إطارها الفانتازي، وعشت أجمل لحظات بين كانج تشول وتخبطاته، وحبه للمرأة الوحيدة التي جاءت من عالم الكاتب لكي تنقذه من كل محاولة قتل شنيعة كان الكاتب يفتعلها للقضاء عليه...

الحق أن شخصية كانج تشول كتبها الكاتب لتكون بطولية صارمة تفكيرها عقلي ومنطقي لا عاطفي، ثم نجدها مع الأحداث وفهمه لكونه مجرد خيط في يد الكاتب، يتمرد وتتحول شخصيته لأخرى مليئة بالأحاسيس والمشاعر مع هذا البطلة الرقيقة التي دخلت في أحداث صراعية تفوقها قدرة...

الكاتب على مدار المسلسل وهو أبو البطلة (أو يون جو) -نائبة قسم الجراحة والمشجعة الأولى لسلسلة دابليو الروائية- كان منذ طفولتها، كريها، مدمنا للخمر، فاشلا، مكتئبا، لا يوفر لابنته الرومانسية الحالمة أمانًا ولا دفئًا...

نعرف أنها هي أول من رسمت كانج تشول في كراستها، بطلا في الرماية، لتعيش معه أحلام مراهقتها في وسط خلافات والديها التي بلا أمل في الانصلاح...

هذا كله على خلاف كانج تشول الذي كان يحفها باهتمام ورعاية وتدليل لأنوثتها وأحلامها...

أعتقد أن كانج تشول نال الحياة والتمرد والروح منها هي، فهي على خلاف أبيها، تريد الحياة، وهكذا كان كانج تشول... وها هي مثلما كان هو فكرتها، تحتم عليها قدرًا أن تكون هي من تتولى عملية إنقاذه كلما صار على الحافة... وهكذا كان من الطبيعي أن تتحول مشاعره جهتها من توجس وتعلق مصالحي، إلى حب حقيقي...

هذا خاصة وأنه حاول إقصاءها من حياته لينأى بها عن تعقيداته، ولكن كل شىء كان يعود بهما للالتقاء من جديد في دلالة لالتحام مصيرهما...

لن أحرق النهاية ولكنها أرضتني تمامًا، فالأب أخيرا فعل شيئا وحيدًا جيدًا لهذه الابنة، وقدم لها هدية ثمينة... ولن أخبركم ما هي...

من المسلسلات التي قد تكون مليئة بالمغالطات المنطقية، كعهد أغلب الأعمال الفانتازية، لكنها أعجبتني كثيرًا بقسة الحب غير المتوقعة، والتي انتهت نهاية أحببتها كثيرًا... صورة المسلسل نقية والرثم متسارع والتشويق عال...

ربما لن يحبه الجميع، ولكن مؤكد محبي الكتب والروايات سواء المؤلفين أو القراء، سيحبونه جدا ☺️😍

 

تفاحة أيوب، بينَ إغواء المعصية وصبر التوبة

 


تفاحة أيوب، وتنويه بوجود حرق في الأحداث، فلا يسعني التعليق بدون أن أحرق من جمال الحبكة ذاتها!

لهذا أستأذن من لم يقرأها أن يمتنع عن قراءة المراجعة التي أعتبرها تأريخًا لقراءتي لها أكثر من أن تكون ترشيحًا للقراءة...

.

.

.

لقد استلزمني من أجل كتابة مراجعة على هذه التحفة الرومانسية، الكثير من الوقت،

كلما قلت هذا هو التوقيت السليم من أجل أن أذرف شيئا من رأيي فيها، شعرت أني واهمة وأن الوقت لم يحن بعد،

أعتقد أن هذا هو حالي عندما أمتلئ حد التخمة من عمل أدبي أو غير أدبي معين، أبقى ذاهلة عاجزة عن صباغة كلمات ترضيني...

وأعتقد أني في هذه المراجعة سأتسم بالبلادة أيضًا في التعبير، لكني مع ذلك أرغب حقًا في مشاركة بعض الرأي عنها...

أيوب، والذي عاش مع عائلة العريم، حياة فاحشة بالمعنى الحرفي، لا يطولهم شئ من تقوى الله، يقتاتون على غسيل الأموال وكل الجرائم (عدا القتل يعني)،

تزوّج من امرأة لا تشبهه، وأنجب طفلة لا تشبهه، حتى حلت اللعنة وكان لابد من الاقتصاص منه...

في حادثة أصيب بالتشوه في بعض وجهه وعرج يقعده عن الحركة السليمة، وشلل في أفكاره دفعه للهرب من أجواء العائلة المسمومة إلى حي "الخانوم"...

من رجل أعمال يطوف على بحر من المليارات، إلى رجل غامض يسكن في بيت شعبي يتسم بتدني مستوى المعيشة، لن أقول فقراء معدمين ولكنهم مع ذلك بالتأكيد أقل مستوى مما كان وضعه عليه!

تلاقى مع سارة وجهاد، التوأم المتشابه خلقة والمتباين طبعًا وخصالًا، الأولى تقبلت بحب رومانسي أن تدير مكتبة أيوب الصغيرة والتي صنعها لتكون مصدر دخله، التي لم تر من الدنيا سوى أجملها الهادئة الرزينة، الخلابة في الرقة والحنان، والثانية الشرسة المتمردة التي عجنتها الحياة بعد تجربة زواج فاشلة وجنين مات قبل أن يولد...

طيلة النصف الأول من الرواية وأنا -ككل القراء- نتوقع قصة حب بين الجميلة سارة والوحش أيوب، رغم اعتراضات الأخت والأم والجدة،

وهذا لتبدع كاردينيا في موقف معين وبسوء فهم لتغيير كل شىء... موقف يخص التفاحة ذات الخمر!

تناقش الرواية مسألة التوبة، والإيمان برحمة الله،

هل بإمكان الشخص بعدما سبح طويلا وعميقا في بحر الظلمات والآثام أن يتوقف عن السبح الطويل ويرتد مؤمنا؟

هل المال الكثير الوفير كاف ليغلف مصدره القذر؟

تأثرت كثيرا من حكايات الإخوة الأربع، أدهم الذي مرض مرضًا صعبًا بعدما جرته المقادير لعشق امرأة محرمة عليه رآها تتعذب بين يدي اغلى الناس عليه، وهارون الذي يوظف حارسًا ليس ليحميه من الأعداء الآخرين وإنما ليحميه من نفسه... أما الأخ الأخير، فلا يستحق التذكر أصلا!

علاقة أيوب وجهاد، هذه العلاقة التي تكونت بهدوء شديد وأناة من الجانبين، أكان أيوب أو هي يتخيلانها؟ يكفيني لقب "نملاوي"!

ضحكت كثيرًا في مشهد اصطحابه لها لملاقاة أهله في قصرهم المنيف وكيف أفسدت هي كل مخططاته ببراءتها...

منذ زمن طويل لم أكن متشوقة لتفاصيل علاقة بطلين بهذه الصورة، تنافر حد النزاع، حب حد العبادة...

قدمت كاردينيا في هذه الرواية تفاصيل مبدأية عن غسيل الأموال ومخاطره، وطرحت مفاهيم عديدة حول الإيمان والتقوى...

الحق أن التجربة التي خاضتها جهاد، كانت وعرة ومخاطرة كبيرة، فلو كان أيوب ما زال بسمته السابق، لضاعت وانتهت!

حنانه الحقيقي عليها، وهي التي كانت في أمس الحاجة لتربيتة ولتفهم لآلامها وأحزانها وتمردها...

كما أنها من المرات القليلة التي نقرأ لكاردينيا رواية إثارة وتشويق بخطط أيوب التي لا تنتهي...

نماذج متعددة ظهرت في رواية كبيرة الحجم، تدور حول الحلال والحرام، عن الحارة العراقية وشهامة بعض رجالها كالشيخين اللذين حملا على عاتقهما مصلحة جهاد والتصدي لغموض أيوب...

بالطبع وقعت في غرام تفاصيل حكاية سارة وحمزة، رقيقة، عذبة، حول فكرة "تزوج من يحبك لا من تحبه"... حمزة الجلف الذي يخفي في ثناياه طفلا صغيرا ما زال يتذكر تفاصيل سارة الدقيقة...

لن أحدثكم عن النهاية، والتي جاءت بعد شقاء كبييير لتحمل أوجاعا وانتصارات كعهد الحياة... لم يخرج الجميع سعيدًا بلا ريب..

رواية رائعة وسعدت كثيرا بقراءتها وأعتذر عن سهوى لبعض الأجزاء تخوفًا من المزيد من الحرق وكذلك لأن الذاكرة خانتني وأسقطت على مدار عامين أو أكثر بعض التفاصيل!

رواية بديعة خرجت كاردينيا فيها عن جلدها المعتاد ♥️

Wednesday, May 28, 2025

السير الذاتية، شغف جديد!

 



في الآونة الأخيرة، لنقل منذ عام، وقد تفتق لدي شغف جديد،

لا أعني شغفًا بهواية جديدة، وإنما تيمٌ بفرع جديد في هواية قديمة،

إنه قراءة "السير الذاتية" سواء لشخصيات تاريخية أو أدبية،

بدأ الأمر مع كتاب "الكاتبات والوحدة" لنورا ناجي والذي فيه ناقشت بعض النماذج لمؤلفات عربيات وغربيات وكيف اتصلت حيواتهن وإبداعاتهن الأدبية بالوحدة والخوف والاكتئاب والالتفاف حول المأساة الإنسانية..

لم يعجبني الكتاب لسببين أساسييين: تمجيد الانتحار والشذوذ، ومحاولة الكاتبة نورا أن تزج بنفسها زجًا غير مقنع أحيانا بزمرة المؤلفات اللواتي تستعرضهن...

اللهم إلا رضوى عاشور، فالباقيات اما انتحرن أو عشن حيوات مشردة شاذة جنسيًا (حرفيًا)...

ثم توجهتُ لكتاب "الصرخة" للدكتورة رضوى عاشور والذي قاطعت فيه مسيرة علاجها من سرطان المخ مع مقتطفات لحياتها وهمها بالشأن العام المصري حيث كانت فترة حكم الإخوان المسلمين وإطاحتهم من الحكم...

لم أكن أعرف أن الكتاب هو الجزء الثاني لمؤلفها "أثقل من رضوى" والذي سأقرؤه بإذن المولى في القريب العاجل...

ثم هبط علي كتاب "أنا قادم أيها الضوء" لمحمد أبو الغيط، والذي فيه كان يعالج أوجاعه من سرطان المعدة بالكتابة الاستقصائية التي ألِفها من عمله كصحفي استقصائي...

ثم كتاب "مشروع استقلال مصر ١٨٨٣" للكاتبين أ.د. عماد أبو غازي وأ.د. والذي فيه ملاحقة لحياة الإمام محمد عبده وسيرته الذاتية من أجل ربطها بالوثيقة المعثور عليها والمنسوبة إليه...

ثم مجموعة إحسان عبد القدوس "العذراء والشعر الأبيض" والتي في قصتها الأخيرة، كتب إحسان أنه استوحاعا من حياة العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، فكنت أقرؤها وأنا أحاول لعب دور المفتش كرومبو أو شيرلوك هولمز وأربط الأحداث بحياة الفنان...

ثم كتاب "الجنوبي" لعبلة الرويني والذي كان عن الشاعر العبقري أمل دنقل والذي كتبت عنه مراجعة مفصلة على مدونتي بإمكانكم الرجوع إليها...

ثم البدء في كتاب "باولا" والذي تؤرخ فيه الكاتبة اللاتينية إيزابيل أليندي رحلة ابنتها في الغيبوبة بسبب مرض الإيڤيرين وتوثق لها إيزابيل أحداث عائلتها المتفرعة على أمل ان تصحو الابنة الشابة وأن تتعرف من خلال أوراق أمها على شجرة عائلتها وحكاياتها... (لم أنه الكتاب لثقله ولكن بإذن الله سأستكمله).

والآن أعيش مع الصفحبة إيمان مرسال وتتبعها لأثر "عنايات الزيات" التي لم تؤلف سوى رواية وحيدة ظهرت عام ١٩٦٧، أي بعد انتخارها بثلاثة سنوات ونصف، وهي "الحب والصمت"...

لا أعرف لِمَ أصبح لدي هذا النهم لقراءة حيوات الآخرين بلا تجميل وبكل الرتوش والشوائب..

لدي الكثير من النظريات المفسرة، ولكني أرجح إحداها وهي أني سئمت القصص الخيالي، هذا الذي ينسج شخصيات من وحي بال المؤلف، إما يضربون المثل في المثالية أو في الانحلال...

في السيرة الذاتية سواء التي يكتبها الشخص لنفسه أو يكتبها عنه غيره، هناك أصالة في حكي المأساة الإنسانية (أنسنة الحكاية). نحن لا نخترع شخصًا من العدم، بل نقصص رؤى شخص من لجم ودم وروح، عاش وضحك وأكل وشرب وحزن وتألم ومرض وخاف، خاااف...

بريق الخيال لم يعد يلفتني، لم يعد يبهرني، بل حكاية الإنسان الحقيقية... خاصة في الفصول الأخيرة، حيث الاقتراب من الموت في حالة رضوى أو محمد أبي الغيط، كيف امتلأت الكلمات الأخيرة بالمرارة حتى انقطع الخيط الأخير الواصل بينهم وبين الحياة... بكيت في كلا الكتابين وكأني أؤبنهم وكأني شهدت لحظة لفظهما لأنفاسهما الأخيرة...

آه، أعتقد أني لذلك أيضا لم أعد أقرأ الكتب البوليسية، وبدلا منها أشاهد الكثير من الأفلام الوثائقية عن جرائم حقيقية، ارتكبها مجرمون حقيقيون تدفعهم دوافع غير متخيلة بل شديدة الحقيقية وأمسكهم المسئولون بوسائل غير عبقرية بل حقيقية بشرية...

الواقع، وليس الخيال، ما بات يلفت جيدي وعنقي ويحرك مكامن شجوني وآلامي...

 

مصارعة من أجل... هُراء!

 




أعمال درامية وفنية أجمع الكثيرون على حبها، بينما لم تنل إعجابي البتة،

فقرة (١): فيلم "مصارعة/Dangel"

الفيلم من بطولة الفنان الهندي عامر خان والذي له باع طويل مع الافلام ذات الرسائل الفلسفية والتربوية مثل (مثل النجوم على الأرض) و(البلهاء الثلاثة) و(السكران).

ولكن هذا الفيلم الذي أعنيه وهو فيلم مصارعة، ورغم حصده لارباح طائلة مم أنحاء العالم إلى آهره، لم أره سوى كتلة من.... الهراء!

لا أتذكر الأسماء لبعد الوقت بيني وبين مشاهدته، إذ استطعت الفرجة عليه منذ أربعة سنوات مثلا...

الأب الغاضب طيلة الوقت، العصبي، الذي لا يستطيع أحد أن يجادله، الذي اسودت سحنته كلما عرف انه أنجب فتاة من الفتيات، الذي انكسر وبقى مكسورًا مذ فقد حلمه في أن يكون مصارعًا...

هذا الرجل لم يبدأ في الالتفات لبناته الجميلات، ذوات الضفائر السوداء السميكة، والوجوه المستبشرة الأنثوية العذبة، إلا حينما عثر على اثنتين منهما قويتين في الضرب والمصارعة!

وجدهما أداتين جديدتين لكي يستعيد فرصته في الحصول على حلمه الضائع برياضة المصارعة!

أليس الأمر أشبه بالقواد الذي عثر على دجاجتين يبيضان له الذهب؟

ما علينا، لنكمل!

هكذا، بدلا من أن يعمل على الحفاظ على جسديهما النسائيين وسمات رقتهما البديعة، سارع لحلق رؤوسهن، وإلباسهما أثواب الرجال والفتيان، أخذهما في المسابقة وراء الأخرى في القرية، تصارعان رجالا لا نساء، يشاهدهما عشرات المتفرجين الذكور،

وهو جالس سعيد بأن "حلمه هو" يتحقق من خلالهما!

لم يفكر لحظة في سمعتهما كفتيات في مجتمع ريفي متزمت، فرصهما في ارتباط جيد ضاعت للأبد!

لم يفكر لحظة في استكشاف سبب طاعتهما له، وأنه قد يكون حبهما الشديد له والخوف من عودة غلظته معهما ومع أمهما وأخواتهما. لم يفكر في أنه يغير من خلقتهما ومن صفاتهما الجسدية والنفسية.

وبعدما شبتا وهما ما تزالان بسمت الرجال والرؤوس المحلوقة والأجساد العضلية والملامح التي بدأت تطغى عليها الرجولة، تأهلت إحداهما لمسابقة أكبر صيتا...

وبدلا من ان تتدرب، استجابت لنداء الطبيعة مع صديقة تضج بالأنوثة، صادقتها وأرادت العودة لأنوثتها وأن تعيش حياة النساء الطبيعيات، تلبس فسانين وتخرج وتشاهد الحياة!

فإذ بالأب كالمرصاد، يلعنها ويخاصمها وينزل لعناته عليها كسفا، لقد أجرمت -في نظره- بابتعادها عن 'حلمه' هو وعن هيئة الرجال التي ألزمها هو بها... يا إلهي إنها تريد إطلاق الأنثى بداخلها... الويل لها!

ثم يستمر الفيلم بعودة الابنة لرحل أبيها معتذرة ومتذللة... وجاء اختبارها أنه حُبس في مكان ضيق قبل مصارعتها النهائية، وكان عليها أن تطبق تعليماته غيبيا.. وهكذا نجحت وتوجت بطلة العالم وهو سعيد وفخور بها!

هذا فيلم غاية في السوء، وأراهنكم أن بسبب هذا الرجل، فهاتان الفتاتان فقدتا هويتهما الجنسية ولا أستبعد البتة لو صارت ميولهما شا/ذة فيما بعد وتفشل علاقاتهما بالجنس الآخر. ثم من قال أن المصارعة كانت حلمهما؟ أين مناصرو التربية الإيجابية أن الآباء لا ينبغي أن يحاولوا تحقيق أحلامهم التي لم يفلحوا في الإيتان بها، في أبنائهم؟

ثم ما هذا الأب الجهم المتجبر الذي لا يفهم القدر وتدابيره ولا يقدر قيمة بناته ويفرض عليهن هذه العيشة البائسة لكي يشعر بالفخر والسعادة؟

الفيلم بشع في رسائله التي لم ألتقط سوى قذارتها:

عيشي لترضي أبيك صعب الإرضاء حتى لو فقدتي حياتك وهويتك الجنسية وعلاقتك الزوجية وأمومتك (لأنهن لن يتمكنّ من الزواج بالطبع) وأحلامك...

فما هذا الفيلم بالضبط وكيف خرج للنور حتى لو أنه مبني على قصة حقيقية؟ أب يستدعي الرجم والموت وليس الثناء والتبجيل!

لم يعجبني البتة..

حاضرني في المطر.. وفي المساء!




محاضرة في المطر لخوان بيورو،

والصادرة عن منشورات تكوين للنشر والتوزيع،

نوڤيلا لا تتجاوز الخمسين صفحة على تطبيق أبجد،

أنهيتها في قرابة الساعتين،

تبدأ النوڤيلا بالبطل، أمين مكتبة، وهو يبدو في محاضرة هامة، نسي بعض الأوراق فقرر الارتجال، والحق أن ارتجاله ذهب به إلى سرد حكايته الشخصية...

بدأ بالحديث عن المطر، باعتبار مطر الأفكار الذي ينهمر على الرؤوس وفي الرؤوس وأن منه يستهل كل إبداع...

رجل حالم، يحيا بين الكتب لدرجة اقتباسه للكثير من الجمل الفلسفية لوصف حالته، من بين أسطر الكتب والروايات...

تحدث مطولا عن قيمة المحاضرات ثم فجأة تسلل بنا إلى زوجته سوليداد، التي كانت تنفر من كتبه، وتتعثر في مكتبته ولا تصل لرفوفها من قصر قامتها... حتى تهرب يوما منه ولا يستطيع أن يجد لها أية أثر،

لكنه لم يكترث لرحيلها، فقد كان يخشاها لصوتها العالي وصراخها الدائم وكثرة انتقاداتها له وكان يدعها تصنع كل القواعد اتقاء لشرها...

ثم يلتقي بالمرأة الأخرى، لاورا، هذه التي يجدها في مكتبة، تطالع كتبا ثقيلة، كألف ليلة وليلة، يهيم بها وبثقافتها، ويرتحل معها في قصة عشق لا تخرج عن نطاق العلاقة الجسدية بينما تحتفظ هي لنفسها بكل شىء آخر، حتى اسمها بخلت بأن تخبره به... كلما سألها عما يخصها، أجابته ألا تهم معرفته وهي كذلك لم تحاول تعرف شيئا عنه وليعشا السعادة بجهليهما..

يقرر أنه واقع في غرام مجهولة حد الثمالة، لا يعرف عنها شيئا البتى ومع ذلك قلبه معلق بها...

يتتبعها يوما ليجد المفاجأة...

بعدها، تهديه مظلة وقط، برونو، وبذلك تنهي من طرفها كل علاقة معه... إنها علاقة متعة لا غير بالنسبة إليها...

وفي النهاية نعرف أن هذه المحاضرة لم تكن محاضرة وإنما لقاء شخصي بين البطل وبين طرف آخر مهم... في أمسية ممطرة...

في رؤيتي، أعتقد أن ما جرى لهذا البطل كان عقابا إلهيًا على ما فعله مع زوجته، ربما كانت شرسة، مفترسة ولكن السؤال هو ما الذي دفعها لأن تكون على هذه الهيئة؟

في مسلسل "زوجة مألوفة" الكوري للفنان چي سونج، طرحٌ لهذا السؤال والإجابة على لسان الزوج "أنا من جعلت منها وحشًا"... فالاهتمام يخلق روحًا شفيفة خفيفة، والتجاهل

يصنع وحشًا مخيفًا...

عاش بين الكتب، يحلم بقصة حب أدبية ملتهبة، فتغافل عن زوجته الواقعية متأملا أنها مؤقتة وسيجد حبًا أسطوريًا بعدها، اهملها حتى ذهبت وفرح لانفتاح الساحة في حياته للحب الذي انتظر... وجد لاورا تجسد البطلات الأدبيات، فظن أنها ستكوّن معه قصة عشق كالروايات والحكايات، فوجدها غادرة، كأحلامنا التي تصدمنا بالواقع في النهاية... فنفقد كل شئ في النهاية...

جاءت هذه العشيقة لتذيقه طعم التجاهل الذي سبق وأذاقه لزوجته الهاربة، فعرف منها مذاقًا كريهًا للامبالاة التي تجعل الطرق الآخر على صفيح ساخن ثم كالثلج في برودته...

أعرف أن النسوة اللاتي يعشن لمتعتهن يكن مقززات بالطبع، ولكني أراهنّ عقابا إلهيا لبعض الرجال الذين يظنون أنهم أسياد الأرض. ما زلت أتذكر تعليقًا على فيلم "أنف وثلاثة عيون" لمحمود ياسين وماجدة ونجلاء فتحي وميرڤت أمين، وأن الأخيرة (رحاب) التي كانت عبثية تعيش الحياة من أجل المتعة، كانت عقاب البطل على جرمه مع أمينة (التي لعبتها ماجدة)... فبعدما تجاهل حب أمينة الصادق ودفعها تجاهله للضياع، عشق امرأة قالت له نفس كلمته لأمينة "أنا مش بتاع جواز"....

فأذاقه الله ما أذاقه للآخرين...